الإنطوائية ليستْ "مرض نفسي"

إنَّه لا يحبّ الظّهور، بل يفضِّل البقاء في الظلِّ وأن يعمل بصمت، وهو يهتمُّ لتفاصيل عمله وجودته أكثر ممّا يهتمّ لجذب الأنظار إليه...

قد يظنّ البعض أنَّ الإنطواء على الذّات هو مرض نفسيّ، لكنّ هذا التّفسير خاطىء، إذ أنّ الإنطواء هو إحدى السِّمات لشخصيّة الإنسان، والّتي يميل صاحبها إلى عدم الإختلاط، على عكس الشّخصيّات المُنفَتِحَة الّتي هي أكثر تجاوبًا مع المحيط الذي تتواجد فيه، وأكثر ميولاً لبدء الأحاديث والإسترسال بها.

وأكثر ما يعانيه الشّخص الإنطوائيّ وربّما يسبّب له الألم، هي نظرة المجتمع له على أنّه مريضٌ نفسيّ... وكثيرًا ما يتلقّى النّصائح للخروج من الدّائرة الّتي يعيش فيها، وبأن يتفاعل بشكلٍ أوسع مع محيطه...

لكن إذا حاولنا النّظر عن قرب واكتشفنا الأسرار لتلك الشّخصيّة، يتأكّد لنا أنَّ الإنطوائيّ هو شخص منعزل في الظّاهر، لكنّه بالحقيقة ميّالٌ إلى عدم التّعبير عن ذاته، ويفضِّل عدم الكلام عن أعماله وإنجازاته...

إنَّه لا يحبّ الظّهور، بل يفضِّل البقاء في الظلِّ وأن يعمل بصمت، وهو يهتمُّ لتفاصيل عمله وجودته أكثر ممّا يهتمّ لجذب الأنظار إليه...

ويعتقد الكثيرون أنَّ الإنطوائيّ هو شخص غريب الأطوار، لا يعرف كيفيَّة الإسترخاء والإستمتاع، وهو يفضِّل المكوث في البيت بدل التّنزّه في الطّبيعة... لكنّ الحقيقة أنّه يريد أن يقضي وقتًا هادئاً بمفرده أو بصحبة كتاب يقرأه بعيدًا عن ضجيج الأماكن الصّاخبة...

والشّخص الإنطوائيّ لا ينجرف بسهولة وراء أفكار وآراء أخرى، إنّما يستمع إلى وجهات نظر الآخرين ويُقَدِّرها، لكنّه بعد ذلك يصنع وجهة نظره الخاصّة به، كونه لا يريد أن يكون نسخة مُكَرَّرة، بل يريد أن يكون متميِّزًا في رأيه...

وقد تكون الشّخصيّة الإنطوائّية فَظَّة وقاسية، إذ أنّٓ صاحبها لا يميل إلى المُجاملات ويُسمِّي الأشياء بأسمائها، كونه صادقًا وصريحًا، وهو يتوقّع الصّدق والصّراحة من الآخرين، لذلك يصفه البعض بأنّه قاسٍ وغليظ...

والإنطوائيّ شخص خجول، لا يكثر من الكلام، وهو لا يحبّ الحوارات العديمة الفائدة، بل يشترك في الأحاديث المُثمِرَة، وهو يفضِّل البقاء مع الأشخاص الّذين يُشعِرونه بالأمان، وغالبًا ما يكون موضع ثقة وذات قيمة بنظرهم...

إذًا وعلى عكس ما هو شائع، الإنطواء ليس مرضًا نفسيًّا إنّما صفة تتّسِم بها الشّخصيَّة...

فإن كان لديكم صديقًا إنطوائيًّا بطبعه، فأنتم أناسٌ محظوظون، وصداقتكم مضمونة الإستمراريّة بإذن الله...