الإنحناء... ليس انكسارًا

من دون سابق إنذار... تبدّل أسلوب الحياة... عوامل كثيرة من كلّ الجهات... أجبرتني على الإنحناء... لكنّني لم أصب بالإنكسار... تعلّمت كيف أتعامل مع ما يحدث حولي... فأخوض العاصفة دون خسارة... بل أخرج منها بانتصار...

قرب منزلي... يوجد حقل مزروعًا قمحًا... تأمّلت بالسّنابل وهي تتمايل مع النّسيم... بعضها شامخ الرّأس... وبعضها الآخر منحنيًا... منها ما هو منحنٍ قليلًا... لكنّني رأيت أنّ بعضها لا ترفع رأسها أبدًا... في أيّام الشّتاء والعواصف... رأيتها تتراقص يمينًا وشمالًا مع الرّياح... وتعلّمت منها درسًا كبيرًا...

أتت الرّياح من الخارج...

السنابل الّتي أحنت رأسها... استطاعت أن تجتاز العاصفة... بانتصار...

لكنّ تلك الّتي وقفت في وجه الرّياح... اقتُلِعَت من جذورها... وطارت في الهواء...

أنّ الصّعوبات غالبًا ما تأتي جرّاء عوامل خارجيّة... لا سيطرة لي عليها... ولا قدرة لي على التّحكّم بها أو بمسارها... لذا، ما يجعلنا نحني رؤوسنا لا ينبع دائمًا من داخلنا... ولهذا السّبب علينا ألّا نحمل في داخلنا شعور الذّنب دائمًا ونأخذ بجلد أنفسنا كلّما تعسّرت أمورنا في الحياة...

وما تعلّمته أيضًا من السنابل ... هو أنّني حين أنحني في وجه مهبّ الصّعوبات... فإنّني بطريقة مباشرة أتواضع أمامها... أي أنّني أنعامل بوادعة معها بدل مقاومتها بعنف وتجبّر... هكذا... أنتصر عليها... وحين تمرّ الأوقات الصّعبة... أبقى ثابتة في مكاني... لا أتزعزع... ولا أتضعضع...

ولكن... هل السّنابل تدرك أنّ العاصفة قادمة لكي تحني رؤوسها؟! طبعًا... لا... لأنّ تلك الّتي نحني، هي السّنابل الّتي تحمل حبوب القمح النّاضج... وأمّا الّتي تشمخ عاليًا، فهي تلك الّتي لا تحمل ثمرًا... بل ستصبح طعمًا لنار الكبرياء والشّموخ الفارغ... لأنّها عند أوّل عصفة ريح، ستطير لخفّة وزنها...

في الإنحناء تواضع يوصل إلى المجد...

في الإنحناء ثبات ورسوخ في وجه المصاعب...

في الإنحاء جائزة استمراريّة بعد مرور العاصفة...

في الشّموخ الفارغ هلاك... وفشل...

في الكبرياء انكسار... في الكبرياء عصيان وخسائر كبرى...

الإنحناء ليس ضعفًا... ولا انكسارًا... تمايلي مع عواصف الحياة بدل أن تقاوميها... لأنّها حتمًا ستكسرك...

لا تواجهي الصّعوبات بقسوة لأنّها في النّهاية عوامل خارجيّة... تأتي وتذهب... وما تختبرينه خلالها هو ما سيبقى معك للأيّام القادمة... احرصي على أن تحتفظي بذكريات تفتخرين بها لتواجهي العاصفة التّالية...