بلاغة الصمت
قال أحد الحكماء "كثيراً ما تكلّمتُ فَنَدِمْتُ. وَأَمَّا عن سكوتي فما ندمت." يظن البعض أنَّ الصمتَ هو حالة سلبيَّة، فيما التكلّم هو حالة إيجابيَّة طبيعيَّة.
وفي حين أننا نُكْثِرُ من الكلام في أوقاتٍ كثيرة، ونظن أنَّ هذا حسن، ننسى أنَّ الصمت في الواقع هو فضيلةٌ يتمتّع بها قليلٌ من الناس... وكثيراً ما يُحَيِّرُنا الجواب على السؤال، "أيهما أفضل، ألصمت أم الكلام؟"
في الواقع أنَّ "كَثْرَة الكلام لا تخلو من معصية." فقد يقع الإنسان في أخطاء عديدة من كثرة الكلام، بينما يستطيع من خلال الصمت التدرُّب على الكلام النافع الذي يفيد الآخرين.
والصمت بحدِّ ذاته هو رسالة مُعَبِّرَة. فعندما نتعرَّض للإنتقاد أو يُحْكَمُ علينا بطريقةٍ سلبيَّة من قِبَل الآخرين، فإنَّ صمتنا في هذه الحالة لا يعني إطلاقاً بأننا ضعفاء، بل على العكس، صَمْتُنا هو مصدر قوّتنا... والتسلّح بالصمت أشدُّ وطأةً من سلاح الكلام.
وبالإضافة إلى وصْفِ الصمت بأنه "فضيلة" إلّا أنه "فَنٌّ" أيضاً لا يُتْقِنُه إلا القليلون. وهو لا يُقَدَّر بثمن، إذ قال عنه أحد الحكماء "إذا كان الكلام من فِضَّة فالسكوت من ذَهَبْ."
وقد يندمُ الإنسان كثيراً على كلامه، فالكلمة عندما تخرج من الفم تُشبِه المياه عندما تَنْهَمِرُ على الأرض، هل نستطيع أن نجمعها من جديد؟
وقد قال أحد الحكماء "كثيراً ما تكلّمتُ فَنَدِمْتُ. وَأَمَّا عن سكوتي فما ندمت."
ونقرأ أيضاً عن ملوكٍ وأنبياء طلبوا إلى الله بأن يعطيهم نعمة الصمت. وقد صلٰى الملك دَاوُدَ قديماً قائلاً:
"إِجْعَلْ يا رَبِّ حارِساً لِفَمي. إِحْفَظَ بابَ شَفَتَيَّ." مزمور ١٤١: ٣
فلا تُكثِرَنَّ القولَ في غير وقتهِ وَأَدْمِنْ على الصمتِ المُزيِّنِ للعقلِ
يموتُ الفتى من عثرَةٍ بلسانهِ وَلَيْسَ يموتُ المرءُ من عَثْرَةِ الرِّجْلِ
(علي بن أبي طالب)
الكلام, الصمت, الحكماء, التكلّم
- عدد الزيارات: 10644