Skip to main content

في سن الثلاثين

في سن الثلاثين

عندما كنا في سن العشرين كنا مخلوقات ذات قوَّة رهيبة! نسهر حتى طلوع الفجر...

ما يلفت إنتباهي... أنه كلما تقدَّمنا في السن، كلما فضلنا الإنضمام إلى مجموعة أصغر عدداً!!!!

فالمجموعات الكبيرة التي كنا ننضمُّ إليها أيام الدراسة قاصدين السينما أو للإحتفال بعيد أحدنا، تضاءلتْ وتقلَّصتْ إلى حدٍ كبير.

ومع مرور الوقت وفيما نحن نقترب من سن الثلاثين، يقتصر الحضور في عيد ميلادنا مثلاً، على عشرة أشخاص فقط!!

هذا إذا كنا من الأشخاص المحظوظين.

ومع أنَّ عدد الأشخاص ينحسر حسب الظاهر، لكن نوعيَّة الأشخاص الذين يتواجدون حولنا في هذه المرحلة من العمر تعني لنا الكثير... وهؤلاء "القِلَّة" هم أشخاص أَشِدَّاء، يُعْتَمَدُ عليهم وهم أهلاً للثقة أكثر من ذي قبل.

والأسباب التي ساهمَتْ في تقليص عدد الأصدقاء، ليست أسباباً سلبيَّة، بقدر ما هي أسباب منطقية سليمة ومستقيمة...

أوَّلُ هذه الأسباب وأهمها يعود إلى تقدُّمنا في السن. فكلما تقدمنا في السن كلما قلَّتْ الأوقات الحرَّة لدينا.

لقد أصبح لدينا عمل ومسؤوليات، أو ربما أصبحنا ننتمي إلى جمعيات تتطلَّب وقتاً إضافياً.

وربما قد تزوَّجنا... وأصبح لدينا عائلة... وأطفالاً ومنزلاً، وربما حديقة تحتاج إلى الإهتمام أيضاً.

وهكذا فإن وقتنا حقاً لن يكون مُلكاً لنا فيما بعد!!

ولأن وقتنا أصبح محدوداً، سنضطر إلى إختيار الأشخاص الذين سنمضي وقتنا القليل معهم... وسيصبح من غير الملائم أن نُمضيه مع الأشخاص الذين لديهم نمط حياة لا يتماشى مع حياتنا. ومن دون تكلُّف، نتَّجه إلى إختيار من لهم الأفضلية. 

لقد مضت الأيام التي كنا نقضي الليل كله في السهر مع شِلَلِ الأصدقاء، ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم أيضاً.

وفيما نحن نزداد تقدماً في السن، تختلف لدينا نوعيَّة الأحاديث. فعندما نلتقي ننتقي الأحاديث الجوهرية ذات القِيَم العالية.

لقد تبدَّل فحوى الحديث وأصبحت الأمور أكثر جدية، فترانا لا نضيِّع الوقت بالكلام غير المُجدي، بل نتناول الموضوعات التي تهمُّ حقاً.

عندما كنا في سن العشرين كنا مخلوقات ذات قوَّة رهيبة!

نسهر حتى طلوع الفجر، ونذهب إلى صفوفنا في الصباح الباكر... ثم نعيد الكَرَّة في اليوم التالي.

كانت لدينا الطاقة لكي نلتقي عشرات الأصدقاء، وبالكاد نلتقط أنفاسنا...

هذه هي الدوَّامة التي عشناها.

وفي سن الثلاثين... تعبنا!! واليوم... فإنَّ أفضل الأوقات لدينا وأكثرها لذَّةً هي عندما نضع رأسنا على المخدة...

لم يعد لدينا ذلك الحماس وتلك الطاقة!!

فاللقاء مع أناس جدد أمرٌ متعِب... لقد إستُنزِفَتْ طاقتنا!!

لكن مهلاً... لا تيأسي عزيزتي القارئة... إن كُنتَ لا تزال في العشرينات... فالأمر ليس حزيناً كما يبدو... فالأصدقاء الحقيقيون لن يتغيروا...

هم نفسهم الذين جلبوا لك الأطايب في الماضي، سيجلبون الدواء لطفلك في منتصف الليل...

هم نفسهم الذين ضحكت بالأمس معهم طويلاً، سيسمحون لك بالبكاء على كتفهم عندما تحتاجينهن...

هم نفسهم سيهتمون بأطفالك عندما تنشغل بظروفٍ قاسية...

هم نفسهم سيفرحون لفرحك ويخزنون لحزنك...

وما خسرته هو فقط كميَّة الأصدقاء... لكنك ربحتَ نوعيتهم...

إنها من إيجابيات... سن الثلاثين!!

الحياة, السهر, القوة, التعب, الوقت, الحماسة, الإهتمام, الأصدقاء, الإيجابيات

  • عدد الزيارات: 3147