Skip to main content

عِنْدَ كَثْرَةِ الهموم

عِنْدَ كَثْرَةِ الهموم

ذهبَتْ فتاةٌ إلى جدَّتها لتخبرها عن حياتها الصعبة وأمورها المُعقَّدَة، والتي لا تجد لها الحلول، وأنّٓها لا تجيدُ لغة القرار الصحيح، وكم أصبحَتْ يائسة ومستسلمة.

وقالت إنَّها تَعِبَتْ من النضال، ويبدو أنّٓه كلَّما تمَّ حلٌ لإحدى المشكلات، تظهر مشكلة أصعب.

إستَمَعَتْ الجدَّة إلى حديث حفيدتها، ثمَّ إقتادتْها إلى المطبخ، حيثُ ملأتْ ٣ أوعية بالماء. بعدها،

وضعَتْ بعض الجَزَر في الوعاء الأوَّل،

وبعض البيض في الوعاء الثاني،

وقليلاً من حبّات البُّن في الوعاء الثالث.

ووضعَتْ هذه الأوعية على النار حتى تغلي!

وبعد مرور ١٥ دقيقة، رفعَتْ الجدَّة الأوعية عن النار، ووضعَتَ محتويات كلٍّ منها في صحن.

وسألَت الجدَّة الفتاة: "ماذا ترين؟" أجابَتْ الفتاة: "أرى جزراً وبيضاً وبعض حبات البُّن."

أمسَكَتْ الجدَّة بيَدّ الفتاة وجعلتها تتلمَّسُ الجزر، وهنا لاحظَتْ الفتاة أنّٓها أصْبَحَتْ ليِّنَة؛ ثمَّ طَلبَتْ الجدَّة منها أن تأخذ بيضةً وتكسرها وتقوم بتقشيرها، وهنا لاحَظَتَ الفتاة أيضاً بأنّٓ البيضة قد تحوَّلَتْ إلى قاسية. وأخيراً طلبَتْ الجدَّة منها أن تنظر إلى حبّات البُّن وتتذوَّفها، فابتسمَتْ الفتاة وتذوَّقَتْ نكهة البُّن اللذيذ.

وسألت الفتاة: "ما المقصود من هذا يا جدَّتي؟"

عندها فسَّرَت لها الجدَّة، بأنَّ كُلّاً من هذه الأجسام قد واجهَتْ المِحْنَةُ ذاتها من جرَّاء الغَلي – لكنَّ ردَّة فعل كُلٍّ منهم كانت مختلفة.

فالجَزَر الصلب تحوَّل إلى ليِّنٍ وضعيف،

في حين أنَّ البيض الهشّ تحوَّل إلى قاسٍ وَصَلْب؛

أما حبّات البُّن فقد غيَّرَت لون الماء وطعمه بعد الغلَيان.

وأنتِ، أين تجدين نفسكِ، هل مثل الجَزَر، أم مِثْل البيض أم أنّـكِ تُشْبهين حبّات البُّن؟

فكِّري في هذا...

هل أنا مثل الجَزَرْة التي تبدو قويَّة، لكن مع الألم والمِحَن، أُصبِحُ طريَّة وأفقد قوَّتي؟...

أم أني أُشبِهُ البيض الذي يتمتّٓع بقلبٍ ليِّنٍ، لكنَّه يتقسّى مع الحرارة؟ هل لديَّ الروح السَلِسَة، لكن عند مواجهة الصعاب مثل (الإنفصال أو أي ضائقة ماليّٓة أو وفاة أحدهم) أُصبِحُ أكثر تصلّباً وخشونة؟ وهل تبدو قشرتي هي ذاتها، لكني من الداخل أحمل المرارة والعنف والروح القاسية والقلب المُتَصَلِّب؟...

أم أني أشبه حبّات البُّن، التي غيّٓرَت لون الماء وطعمه، وأطلقَتْ رائحتها الزكيٌة... وهل أُغَيِّرُ طعم الظرف الذي جَلبَ لي الألم؟

عندما تكون الساعات أشدُّ ظلاماً، والتجارب أشدِّ إيلاماً، هل نرتفع إلى مستوى آخر؟

"عِنْدَ كَثْرَةِ همومي في داخِلي، تَعْزِياتُكَ تُلَذِّذُ نفسي." مزمور ٩٤: ١٩ 

النار, الفتاة, الألم, القرار, المطبخ, البيض

  • عدد الزيارات: 4247