Skip to main content

أنا لا أستطيع التذمّر

أنا لا أستطيع التذمّر

عندما يسألني الناس عن أحوالي، أحاول أن أَرُدَّ عليهم "بعدم الشكوى". لأني بالحقيقة لا أستطيع التذمّر. فأنا لديَّ سقفٌ فوق رأسي، وطعامٌ على طاولتي، ولديَّ أيضاً زوجٌ  وأولادٌ يتمتَّعون بصحةٍ جيِّدة.

ولهذا أنا لا أريد التذمّر؛ بل أريد أن أكون مُمْتَنَّة لِما أنا عليه قَدَرَ الإمكان.

وقد لاحظْتُ أنَّ التذمّر أصبح "موضة" الحديث، وطريقة سهلة للتواصل مع بعضنا.

فنحن نتذمَّر من المطر، أو من قِلَّة المطر؛

من الحرارة المرتفعة، أو من الطقس البارد... آه... ومن السيِّدة البطيئة التي أمامنا في محل البقالة.

كما أننا نتذمَّر من الخدمة السيِّئة في المطعم، أو من الطريق الطويل الذي نسلكه.

وقد نتذمَّر أيضاً من كميَّة الدروس والفروض المعطاة لأولادنا، أو من أحمال الغسيل المُكدَّسة.

وأنا الآن أشعر بالذنْب من كثرة شكواي وتذمّري خلال الأحاديث التي أُجريها مع الآخرين...

فلقد تعوَّدْتُ أن أتذمّر من شِدَّة رطوبة الطقس، أو من الوزن الزائد الذي لديَّ، وأيضاً من القيادة و"عجقات السير"...

وأنا أظن أنَّ كُلَّ واحدٍ منّا لديه ناحية مُعيَّنة يتذمّر ويشكو منها أمام الآخرين.

لكن ومؤخراً، أصبحتُ وفي محاولةٍ جدِّيَّةٍ مني، أحاول أن أُحكِم السيطرة على نفسي وأكتم شكواي. وقبل أن أتفوَّه بأي كلمة تذمّر، أتذكَّر صديقتي لمياء...

هذه الصديقة التي عرفتها منذ أن كُنتُ  في الصف السابع. كانتْ لطيفة مع الجميع، تتحدَّثُ بنعومةٍ مع إبتسامةٍ عريضة، وتُطلِقُ النكات من وقتٍ لآخر. وقد بقيتُ على تواصلٍ معها لفترة ما بعد التخرّج، وإلى أن أصبحَتْ معلِّمة في اللغة الإنكليزية.

وقد تزوَّجتْ لمياء ورُزِقَتْ بثلاثة صبيان. لكنَّها وخلال فترة حملها الأخير، تمَّ تشخيصها بمرض سرطان الثدي،

وبعد سنوات قليلة توفِّيتْ لمياء عن عمرٍ يناهز ال ٣٩ عاماً، ولم يكن إبنها الصغير قد بلغ العامين بعد. 

حين إلتقيتُ لمياء للمرَّة الأخيرة، كانتَ تصطحِبُ أولادها الثلاثة...

كان مرضها قد عاوَدَ نشاطه، لكنَّها كانت حيويَّةً تماماً مثل أي وقتٍ مضى. لم تفارق الإبتسامة شفتيها، وكانت تتمتَّع بالهدوء، وتستمع بانتباه حين تتحدَّثُ إليها، ولم تكن مرةً على عَجَلَةٍ من أمرها...

هكذا رَحَلَتْ لمياء، وهكذا سأظلُّ أذكرُها.

وعندما أمرُّ بيومٍ سيِّءٍ، أو أُعاني من ذلك الإنزعاج من كل شيء، وعندما لا أريد شيئاً سوى أن أتذمَّر، أذكرُ لمياء...

وحينما أقفُ أمام حوض الجلي أغسل الصحون والقدور، أقول لنفسي بأنَّ لمياء كانت ستعطي أي شيء مُقابل أن تكون ههنا.

وعندما ينفجرُ جرس الإنذار في صباح يومٍ مدرسيّ عند السادسة صباحاً وأنا مُتعَبَةٌ جدًا، ولا أريد النهوض في ساعةٍ مُبكِّرَة، أذكرُ لمياء...

إنها لا بدَّ أن تنهض بمنتهى السعادة لتوقظَ أبناءها وتصطحبهم إلى المدرسة.

وعندما أكون على وشك الوقوع في تجربة التذمّر من إصطحاب الأولاد للقيام بأنشطة مختلفة، أذكرُ لمياء...

وأقول في نفسي، كم أنا محظوظة لأن أكون هنا وأشارك أولادي هذه اللحظات الدنيويَّة. 

أحاول أن أكون أكثر وعياً لِما سأتفوَّه به،

وأن أتحدَّث بإيجابيّٓة عن الأمور التي تحصلُ معي، بدلاً من الإشارة إلى الأمور السلبيَّة، والإنزلاق نحو حماقةٍ لا تنتهي،

لا بدَّ لي من أن أقولَ بأنَّهُ ليس من السهل أن يحوِّلَ الإنسان حديثه من السلبيَّة نحو الإيجابيّٓة، وأن يبتعدَ عن التذمّر والتشكّي...

لكنَّ هذا الأمر هو خَيارٌ... وأنا أحاول تطبيق هذا الأمر.

وهذا يُذكِّرُني بأحد الآباء الذين كُنتُ ألتقي بهم عندما أصطحبُ أحد أبنائي إلى ملعب الرياضة، وكالعادة أقول "مرحباً، كيف الحال؟" وفي كُلِّ مرَّةٍ كان  هذا الأب يُجيبني الإجابة ذاتها: "أنا أعيش الحلم!" يقولها بطريقةٍ مَرِحَة. لكن أتعلمون؟ إنَّه على حقّ. إنَّه يعيش الحلم الذي حلُمَتْ به لمياء، وكثيرون آخرون أيضاً...

لِذا، إن كُنْتُمْ تسألونني "كيف الحال؟" فأنا أتمنّى أن أجيبكم "أنا أعيش الحلم." فأنا لا أستطيع أن أتذمَّر على الإطلاق!!

ضبط النقس, الحلم, القرار, التذمّر , الحماقة

  • عدد الزيارات: 3077