فقراء ولكن... نُغني كثيرين
هل الفقير حقًّا من لا مال له؟... الفقر يكمن في من لديه كلّ شيء ولا يكفيه شيء...
نظنّ أحيانًا، ونحن نعطف على المحتاجين أو نجود عليهم، أنّهم فقراء وبحاجة لنا... لكن في الحقيقة، أحيانًا يمتلكون غنى لم نحظَ نحن به... فالفقر في النّفس... وليس في الفلس...
كنت طفلة لا أعرف صياغة الكلمات، ولا أعرف معاني بعض المفردات كالفقر والغنى، ولكنّني كنت أسمع النّاس يتعوّذون من الفقر ويسألون الله الغنى... وها أنا أتذكّر بيت خفير فقير، كان يحرس أرضًا لوالدي الرّيف، بجوارنا، وكانت تراه النّاس شخصًا فقيرًا، ويرسلون إليه الصّدقات والعشور...
ولكن، كنت عندما أذهب إلى بيته لأعطيه ظرفًا فيه بعض النّقود – ترسله أمّي له، كنت أشعر بكمّ غريب من السّعادة والرّاحة وأنا في بيته، كنت أشعر بالدّفء في ذلك البيت المبنيّ بالطّين، وأشعر بالنّظافة في القلّتين المملؤتين بالماء البارد ومغطاتان بالمفرش الأبيض.
كنت أشعر بالحبّ في تلك الطّبليّة القصيرة التي كانت تلتفّ حولها الأسرة، كنت أرى في ذلك المكان أجمل معاني الغنى والسّعادة.
أتذكّر أنّني في يوم عدت إلى أمّي أقول لها: لماذا يهزأ النّاس بالفقير ويرونه تعيسًا؟، ولماذا تتعوّذون بالله من الفقر؟!
أنا أتمنّى هذا النّوع من الفقر الدّافىء الّذي أراه في بيت الخفير يا أمّي...
تبسّمت أمّي، وربّتت على كتفي وقالت: نحن لا نهزأ بالفقراء، فيقول الكتاب "المستهزىء بالفقير يعير خالقه" أمثال 5:17، لكنّنا نجود عليه كما أمرنا الله، فيقول القران "الّذين في أموالهم حقّ معلوم، للسّائل والمحروم".
لم أفهمها آنذاك... ولكن حين نضجت، وعرفت الكلمات ومعناها، أدركت أنّ الفقر ليس بالمال، وأدركت أنّ هذا لم يكن فقرًا، بل كان غنى الرّوح، ولكن الفقر يكمن في من لديه كلّ شيء ولا يكفيه شيء ويظلّ مُعوزًا، فالحقيقة أنّ الغنى هو غنى النّفس وشبع الرّوح، ولأنّ الرّوح من الله، فلا يشبع الرّوح إلّا الله.
السعادة, الغنى, العطاء, المال, الفقر, الأسرة, الثروة, الرضى, الإكتفاء
- عدد الزيارات: 2808