أُقدِّرُ أماً تربَّي إبنها هكذا
منذ مدةٍ قصيرة، كُنتُ أتناول العشاء مع صديقتي ندى، عندما أخبرتني هذه القصة التي حدثت مع أحد أبنائها الثلاثة.
قالت: كانت العائلة تحضر حفلاً رياضياً في المدرسة لصفوف البكالوريا، ومن دون إستشارة والديه، إصطحب إبني الذي في الصف الثامن ثلاثة فتيات من عمره وذهب وإياهن إلى حي البقالة القريب. وبسبب الظلام في الخارج لم نكن كوالدين سعيدين بذلك.
وقد أُعجِبتُ بما تعلَّمتُه من ندى حول تربية الأولاد الصبيان. فهي عندما يقوم أحد أولادها بعملٍ ضدَّ رغبتها، فهناك وكالمعتاد درساً يجب تعلّمه من وراء ذلك... وقد أحدثت هذه الحادثة مناقشة طويلة، دارت بين ندى وزوجها أمجد وإبنهما، طالت حتى ساعةٍ متأخرة من الليل.
وقد وجَّها له سؤالاً: " هل تعلم ما كان دورك حين قمتَ باصطحاب تلك الفتيات؟"
وكانت الإجابة "لا."
"كان عليك أن تقوم بدور المدافع والمرشد. وإن حاول أحدهم إلحاق الأذى بإحدى الفتيات، فإنَّ مهمَّتكَ هي الوقوف لدعمها."
لقد أحببتُ تلك الحكمة التي نقلَتـها ندى وأمجد إلى إبنهما عمداً.
وأحببتُ أيضاً التفكير الذي يتخطى إبنهما، وعمليَّة زرع البذور في ذهنه الطري والذي يفتقد إلى الخبرة، والتي لا بدَّ أن تُثمِر عندما يكبر .
والأهم من ذلك كله، أحببت أنَّ الوالدين لم يأخذا "غريزة إبنهما المُدافعة" وكأنّٓها من المُسلَّمات، على إفتراض أنَّه في حال نشأت أي مشكلة، فلا بدَّ من أنه سيقفز تلقائياً ليدافع عن الفتيات. إنه في النهاية ما زال طفلاً. والأطفال لا يضعون في إعتبارهم دائماً أن ينتبهوا للآخرين. وفي حين أنه من السهل القول لصبي "كن مدافعاً"، المسار الأكثر فعالية – والدرس الأكثر عرضة لأن يواجهه، والذي هو تطبيق لواقع الحياة، إلا أن الصعوبة تكمن في الدور الذي سيقوم به، والذي ربما لم يتوصل ليدرك مدى أهميّٓته.
وكأمٍ لأربعة فتيات، فأنا ممتنّٓةٌ بشكلْ خاص لهؤلاء الوالدين الذين يشبهون ندى وأمجد، والذين يربوا أولادهم لفهم التعريف الصحيح لما يعنيه "أن تكون رَجُلاً ". وأن تكون رَجُلاً، فهذا لا يعني أن تكون رياضياً، أو كم لديك من الصديقات، أو المبلغ المالي الذي تجنيه، لكن كيف " تقف موقف المدافع "، وكيف تحب وتنتبه للآخرين.
قرأتُ مرةً عن رجلٍ حكيم قدَّم نصيحةً لإبنته المراهقة عن الأشياء التي تميِّز الشباب فقال: "باستطاعتهم أن يقوموا إما بدور المدافع أو بدور المفترس. وأنتِ من يقرِّر لمن تسمحين له بالدخول إلى حياتك."
وعندما قرأتُ ذلك، أُصِبْتُ في الصميم لسببين: أولاً لأنَّ هذا صحيح، وثانياً لأنَّ هذا ما أريد أن تعرفه بناتي تماماً. فليس جميع الصبيان قد تربّوا على قِيَمٍ رائعة، كما أنهم ليسوا جميعهم أهلاً للثقة لكي يقوموا بدور المدافع عن البنات...
فبعض الصبية يريدون إستخدام الفتيات فقط. والعكس صحيح. ويجب على كليهما أن يقوما بدور المدافع عن الآخر ليس فقط من الناحية الجسدية، بل من ناحية العقل والقلب والروح، وتكون المحبة بينهم صافية كمحبة الأخوة بعضهم لبعض – عندها تكون العلاقات متينة وصحيّة.
أما كيف سيعامل أبناؤنا وفتياتنا بعضهم بعضاً في المستقبل، فهذا إنما يعتمد إلى حدٍ كبير على القِيَم التي نغرسها فيهم اليوم في المنزل...
وأكثر ما أُقدِّرُ في تربية الأهل لأولادهم الصبيان، هي تربيته لأن يكون "مدافعا "... عن العدالة وعن المجتمع... عن أي شخصٍ قد يتعرَّض لضرر محتمَل.
لذا، فإنَّ كنتِ أماً من هذا النوع، دعيني أقول لكِ "شكراً".
شكراً لكِ لأنكِ ترين الصورة بشكلٍ أكبر.
شكراً لأنكِ تدرِّبين إبنك لكي يكون بطلاً، يفكر مثل الأبطال، وتزرعين الشجاعة في قلبه.
شكراً إنَّ العمل الذي تقومين به اليوم في البيت، هو إستثمار للمستقبل.
الحكمة, الشباب, الفتيات, المراهقة, المرشد
- عدد الزيارات: 2730