Skip to main content

الحوار

الحوار

الحوار تبادل للمعرفة، والجدل تبادل للجهل... الحوار… آفاقه متشعبة... لأنه مع سرعة إيقاع الحياة، وكثرة المشاكل والمشاغل اليومية،

تتسع الفجوة بين الأفراد والجماعات في الأسرة والمجتمع عامةً، حتى أصبح التواصل بينهم عبئاً ثقيلاًلا يُطاق، أو فاتراً جداً لدرجة البرود. ورغم أن ثقافتنا المعاصرة تتسم بالتكنولوجيا العالية، إلا أنها تتسم أيضاً بالتواصل الإنساني الضعيف، وعدم الإستماع والإصغاء لبعضنا البعض. فنحن نعيش في عصر المعلومات وممتلئة حياتنا اليومية بوابلٍ من المعلومات والرسائل والمواد التي تصلنا عبر البريد الالكتروني والإنترنت والتلفاز، وكلٌ منا تتقاذفه أمواج الإتصالات الهاتفية، ونصل لنهاية اليوم منهكين وغير قادرين على أي تواصل داخل البيت وخارجه مما يُشعرنا بالوحدة والاحتياج لمحاكاة ومناجاة من حولنا بأسلوبٍ خاص

وهذا مايُسمى الحوار.

ماهيّة وأهمية الحوار:

الحوار تبادل للآراء بين طرفين أو أكثر، يتفقان في بعض الأمور ويختلفان في البعض الآخر،  بهدف إيجاد اطار معرفي مشترك  بدون إستغلال أحد الأطراف الطرف الآخر لصالحه. وهنا يجب أن نفرق بين الإختلاف والخلاف. فالإختلاف يأتي بعد النظر في الأُمور وبحثها باجتهاد وتحديدها، أما الخلاف فهو أمرٌ يتعلق بالمزاج الخاص. الحوار وسيلة وليس غاية، فليس الهدف تغيير الآخر إلى [الأنا] ولا الوصول إلى كلمةٍ سواء بيننا في كل شيء، بل هو وسيلة تهدف إلى إكتشاف الآخر ورؤ يته من جديد، وإكتشاف أفكاره ومتاعبه وهواجسه. ولا يهدف  إلى تفوق أحدنا على الآخر وإنما أن نتقدم معاً، الحوار هو أقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة. الحوار ثقافة  تنشئة وتربية ومجتمع وفن له أصول وقواعد. الحوار يحتاج إلى إنسان صادق مع نفسه، أمين مع غيره، يقول ما يعني، ويعني ما يقول ولديه القدرة على المواجهة بشجاعة، ويعرف متى يُحول الخد الآخر.

الحوار يختلف عن الجدل. في الحوار أخذ وعطاء وتبادل للأفكار، ومواجه ومقارنة الرأي بالرأي الآخر، ومراجعة النفس بضوء ذلك، وتعديل وجهة النظر الشخصية عن الآخر. أما الجدل: ففيه يحاول كل طرف إقناع الطرف الآخر بصحة رأيه.

الجدل صراع، يحاول فيه كل طرف أن يهزم الآخر ولا يمكن أن تفوز بجدلٍ قط، سواء خسرت فيه أو إنتصرت، لأنه إذاخسرت فقد خسرت، وإذا إنتصرت فقد خسرت الطرف الآخر الذي جادلته. قد تشعر بالرضى عندما تفوز في الجدل، لكنك ستشعر بالمرارة لأن الآخر لن يُسَلّم بهزيمته ولأنك جرحت مشاعره. 

فالحوار تبادل للمعرفة، والجدل تبادل للجهل...

عندما يغيب الحوار، يصبح البيت قبراً، والجنة جحيماً، والحياة ساحة قتال، واللجان فرصة للصراعات وتصفية الحسابات وتبادل الآتهامات والانتقادات، ويتحول الجسد الواحد إلى أشلاء، ويفقد الإنسان إنسانيته، ويغيب الحب وتتحطم العلاقات وتبتر الصداقات وتهدم الجسور.

من محاور الحوار- الإستماع. لكي تكون درجة الاستماع في الحوار جيدة ويكون استقبال رسالة المتكلم بأكثر وضوح  يجب ملاحظة مايلي:

1- إيماءات  وإشارات الوجه : إن المستمع الجيد لا يسمع فقط الكلمات التي تُقال بل يلاحظ إيماءات وجه وإيشارات جسم المتكلم . يقول علماء الاتصال إن رسالة المتكلم تصل بحسب النسب التالية : 7% على الكلام ,38% على نغمة الصوت 55% على ملامح الوجه وحركات الجسم.

2- تجنب سرعة الإستنتاج لأنه حماقة كبيرة من يُجيب عن أمرٍ قبل أن يسمعه للنهاية أي لنهاية عرض الفكرة موضوع الحوار.

3- تجنب الأحكام المسبقة: والانطباع المزاج فمن شأنها إفسادالحوار قبل بدئه.

4- التركيز على الفكرة الأساسية: دون التفاصيل الفرعية للقدرة على فرز المعلومات والتفاصيل الجانبية.

5- إحترام فكر الآخر: قل لنفسك عندما تسمع الآخر [رأي صح لكنه يحتمل الخطأ] فلتعاون فيما إتفقنا فيه، وليعذر أحدنا الآخر فيما اختلفنا عليه.

6- الرؤية المتجددة للآخر: لا تُصنف الآخر بمقاييسك أنت النهائيه بل بتجدد فاليوم غير الأمس وغير اليوم القادم.

7- المسافة المناسبة: نظر فيلسوف يوماً من نافذته في يوم شديد البرودة ,فرأى مجموعة قنافذ تقترب من بعضها البعض لتشعر بالدفء وإذ بأشواكها تؤذي بعضها البعض، فتتنافر وتتراجع فتشعر بالبرد فتعود وتتقارب. إن فن الحياة هو في اختيار المسافة المناسبة بيني وبين الآخر، بحيث نستمتع بالدفء معاً ونتحاشى الحاق الأذى ببعضنا البعض.

8- حق الإختلاف: من أهم خصائص المنهج العلمي في التفكير وجود العقل الناقد المختلف، فالاختلاف داخل العلم يبنيه، ويصل به إلى الحقيقة الموضوعية, فإذا كان من الصعب إيجاد الحلول الوسطية في الإختلافات العلمية، إلا أنه من السهل إيجادها في الاختلافات الفكرية والأيدلوجية والاجتماعية [ أنا أختلف معك أو عنك فأنا كائن حي وليس ميت.

 من محاور الحوار أيضا الإصغاء، والإصغاء مرحلة متقدمة لإنجاح الحوار ويشمل كما قلنا

 التركيز، والتلخيص او اعادة الفكرة بكلام يؤكد على فهم الفكرة، والتفاعل  بشكل جيد وهو  يؤكد الفهم العميق للمشكلة. أيضا السؤال الجيد للإيضاح وهو وسيلة فعالة وقوية لإكتشاف ما لم يُعلن عنه. لا نتغاضى عن  لغة الجسد. كما ذكرنا سابقا أن المستمع يتاثر بنسبة عالية من  اللغة الغير محكية. فقد تقول شيئاً بشفتيك بينما حديثك غير اللفظي يعطي رسالة مختلفة عن ألفاظك. عندما تكون متوتراً فجسدك يكشف هذا ويسرب المعلومات عن حالتك أنت لا تريد أن تبينها والمهم ههنا أن معظم الناس يتجاوبون أكثر مع رسالتك غير الكلامية.

وبالنهاية نصيحتي للسيدات أن نشجع الآخرين على الإصغاء بهدوء عندما نوفر الاجواء الأساسية فلا تأخذي دور المتسلطة، لا تأخذي دور المنتقدة، كوني محبةً متفاعلةً، قدمي الصادقة مُشبعة وشافية والأهم أن تكون بحب صادق.

الحياة, الحقيقة, المشاعر, المشاكل, الشخصية, الخلافات, الأسرة, الإصغاء

  • عدد الزيارات: 4375