Skip to main content

عندما يأتي أولادنا إلينا بأخطائهم

عندما يأتي أولادنا إلينا بأخطائهم

منذ مدَّةٍ ليست بطويلة، كُنتُ على وشك أن أغفو عندما سمعتُ صوت إبنتي يتسلَّلُ إلى غرفة نومي. كانت تهتزُّ من شدَّة البكاء،

ورغم الظلام إستطعتُ أن أُميِّز اضطرابها. وقد إزداد قلقي خصوصاً أنها كانت تستضيف صديقةً لها ذلك المساء. ورغم بكائها وتنهّدها، أخبرتني أنها وصديقتها قد فعلتا شيئاً رهيباً. وقد جزِعْتُ لما يمكن أن أسمعه لاحقاً. 

وبصوتٍ مُتقطِّع قالت: "أردنا أن نمزح مع أخواتي، وقد رسمنا على وجوههنَّ علامات ملوَّنة بينما كنَّ نائمات. وقد تركتْ تلك الألوان بصماتها على الأغطية بكاملها..."

إستغرقت مني دقيقة لكي أتأكد من أنَّ كل واحدة منهنَّ بخير، وأن لا طعنة أو ما شابه في عيني إحداهن، أو أسوأ من ذلك، فقد بدتْ الطريقة التي عبَّرتْ بها إبنتي مأساوية. 

عانقتها، وطيَّبتُ خاطرها، وقلتُ لها بأنها مدينة باعتذار كبير لأخواتها، آملة في نفس الوقت أن تتعلَّم درساً من هذا. بعدها إصطحبتها إلى غرفة أخواتها لأرى ماذا حدث، وشكرتُ الله لأجل الألوان التي تزول بمجرَّد غسلها. 

بعدها أخبرتني إبنتي بأنها بَكَتْ في السرير ساعةً بكاملها قبل أن تأتي إليَّ لأنها شعرتْ بالذنْب الكبير. عانقتها من جديد وقلتُ لها أن لا تُكرِّر هذا ثانيةً. 

وسألتها إن كانت قد شعرتْ بالذنْب مُسبَقاً، فأجابت: "نعم."

وقلتُ لها: "عليكِ  أن تُصغي لذلك الشعور... فهناك سببٌ لهذا الشعور".

وفي الصباح التالي قبـِلَتْ الأخوات إعتذار الفتاتين، وضحكنَ جميعهن لتلك الحادثة. 

بالنسبة لهن، هي ذكرى مُضحِكة، أما بالنسبة لي فقد كانت فرصة لإظهار "النعمة" أمام عذاب النفس الذي يأخذ مأخذه منها. 

وأنا أقول لأولادي دائماً بأنهم يستطيعون أن يأتوا إلي بأي شيء. كذلك أقول لهم بأنهم سيعانون من مشاكل أكثر في حال كذبوا، أكثر مما سيعانونه عندما يقولون الحقيقة. لكن عملية إستيقاظي في منتصف الليل للإقرار بارتكاب خطأ ما، إنما هي أولوية. فإبنتي لم تتوقَّع ردَّة فعلي. وكذلك أنا أيضاً. 

وبعد التأكد من أنَّ كل شيء كان على ما يُرام في ذلك المساء المظلم، إفتكرْتُ بمحاضرة سريعة. وقد علِمتُ بأني حظيتُ بأُذْنِ إبنتي (مسمعها)، وأنَّ كل ما سأقوله لها سوف يُحفَظ ويُذكَر لأمدٍ طويل. 

لكن حالة الإرتجاف التي بَدَتْ بها إبنتي، قرأتُ فيها شيئين مُنفصلين: أنا، والمستقبل. 

فقد رأيتُ نفسي،  وأنا أعاقب ذاتي عندما أرتكبُ خطأً ما، وأعلمُ تماماً كم هو مؤلمٌ ذلك العقاب، وأنَّ  ٩ من ١٠ عقوبات ليست ضروريَّة ولا لزوم لها. 

كما أني رأيتُ المستقبل، لأني علِمتُ أنَّ ما حصل هو سابقة،  وقد تتكرَّر. وسواء تجاوبْتُ بغضب، أو إستَمَعْتُ بهدوء، فإنَّ هذا قد يُحدِثُ فرقاً، في حال أرادتْ إبنتي أن توقظني لتعترِف لي بأمرٍ ما. 

أنا أُريدها أن تأتي إلي، كما أريد هذا من جميع أولادي، وربما لن أقوم بتنظيف ما أحدثوه من فوضى، ولن أساعدهم في الإفلات من الصنارة، وربما لن أتخلى عن معاقبتهم، لكنني سوف أساعدهم على التفكير من خلال التجربة التي يجتازون بها 

لكي يقرِّروا المسار الأفضل لتصرفهم. نعم، إنَّه مُخيِّبٌ للأمل أن ننظر إلى أحد أولادنا يتعثّر ويهبط، فيما هو يعرف الأفضل، لكنَّ هذا هو جزءٌ من الأمومة والأبوَّة. ولا بد من أنَّ أطفالنا سيرتكبون الأخطاء، وسواء كنا كوالدين جزءاً من الحلّ أو لم نكن، فإنَّ هذا يعتمد على العلاقة التي نبنيها معهم اليوم.  

وقد أخبرْتُ إبنتي في اليوم التالي، أنَّ الأشياء الجيِّدة  تأتي من حادثة كهذه. 

أولاً، لقد تعلّمْتُ بأنَّ بوصلتها الأخلاقية تعمل بشكلٍ جيِّد. وهي الآن تكتسب القدرة على الرصد الذاتي، وهي لا تحوجني لأن ألفت إنتباهها إلى العمل السيِّء. 

ثانياً، لقد إختبرَتْ إبنتي لدغة الذنْب والندَم، والتي قد تُمَكِّنها من اختيار خيار أفضل في المرَّة القادمة. 

ثالثاً، لقد سنحتْ لي الفرصة بأن أكسب ثقتها، لكن الحقيقة الكبرى والعظمى ربما، هي أنَّ إبنتي قد إكتسبتْ ثقتي. وقد حصلَتْ على إثباتٍ يقول بأنَّهُ حتى الأمهات اللواتي فقدْنَ توازنهنَّ، بإمكانهن أن يكنَّ حليفات عندما تدعو الحاجة. 

لقد شعرْتُ بأنني أقرب إلى إبنتي بعد تلك الحادثة. وأنا أحترمها "لسوء اختيارها" بقدومها إلي، والذي كان بالنسبة لي إحدى علامات النضوج. وكما قلت، فقد كسبتُ ثقتها، وهذا ما يريحني ويخفِّف من قلقي إزاء مرحلة السنين القادمة، مرحلة السعي نحو الإستقلال، حين تأتي مجموعة الأصدقاء لتحلَّ مكاني وتستبدلني ببطء. 

أنا لا أستطيع إيقاف تصرفات إبنتي الرعناء، لكن بوسعي أن أكون واحة تلجأ إليها عندما تريد تصحيح خطأها. كما يمكنني تقديم كلمات التشجيع لها عندما تتعرّض لركلات التعذيب الذاتي. والأهم من هذا كله، فأنا أستطيع أن أذكِّرها بأنَّ محبة الأم لا تنام أبداً. وأنَّ بابي سيظلُّ مفتوحاً نهاراً وليلاً، وهي تعلم تماماً أين تجدني وفي أي وقت تحتاج فيه إلى المساعدة. 

الشعور, الصباح, إبنتي, إعتذار

  • عدد الزيارات: 2684