ذكريات في كلمات
ذكريات الماضي هذه، ساعدتني أن أضع الأمور في نصابها... فالأحداث التي تذكرتُها، كانت كل واحدة منها كفيلة بإنهاء حياتي، لكنني نجوْتُ بأعجوبة!...
وأدركْتُ كم أنا مُمْتَنَّة وشاكرة من أجل أشياء كثيرة! فتعلَّمتُ السباحة... وكنتُ حينها في الثلاثين من عمري…
ثمَّ تزوجتُ في عمر الأربعين من رجلٍ مُحِبّ إلى أقصى الحدود،
ورزقتُ بطفلين... في عمر ال ٤٥ تعلَّمْتُ التزلج على الجليد، و ثم حصلتُ على شهادة الماجيستير في عمر الخمسين...
هذا الصباح، افتكرت مَليّاً بالأحداث التي جَرَتْ خلال الأسبوعين الأخيرين، وأدركْتُ كم أنا مُمْتَنَّة وشاكرة من أجل أشياء كثيرة!
فقد تُوفيتْ والدتي منذ أسبوعين وذلك لأسباب طبيعية، وأنا أشعر بالامتنان لأجل هذا — لأني أعلم كم كانت ستعاني من ذعرٍ مُطلَق لو أنها شاهدتْ ما نشاهده نحن اليوم، خصوصاً عندما لن يستطيع أحدٌ منا بأن يقوم بزيارتها…
لقد تمَّ الاعتناء بها بشكلٍ جيِّد، وعندما استلزم الأمر، حصلت على سرير في غرفة العناية المُركَّزة! وكانت عملية تأمين الراحة والعناية بها موضوع اهتمام الأطباء والطاقم الطبي، الذين تَحَلّوا بكثير من اللطف والحنان، وكانت مُحاطَة بالعديد من أولادها وأحفادها…
والأرجح أنَّ هذه الأشياء التي ذكَرْتُها لن تكون مُتاحة اليوم للمرضى المحجورين على سرير الموت، بعيداً عن أحبائهم الذين كانوا سيقدمون لهم التشجيع والتخفيف عنهم…
وقد عادت بي الذاكرة أربعين سنة إلى الوراء، وتذكرتُ الحرب الأهلية في لبنان… يا إلهي… كيف يمُرُّ الوقت!! لستُ بصدد إضعاف أو تقويض ما يُحدِثه Covid 19… لكن ذكريات الماضي هذه، ساعدتني أن أضع الأمور في نصابها.
ذكريات...
كحين وجدت نفسي عالقة في وسط تبادل أطلاق نار وتقاطع نيران... مرتين؛
رصاصة تخطئ رأسي مرتين، لتستقر في الحائط (ربما أصابته لكنها إرتَدَّتْ بسبب السطح القاسي)…
الوقوع في خطر غارةٍ جوِّية…
وكمُعلِّمة في إحدى المدارس، في داخل صفٍّ يزيِّنه حائط زجاجي جميل، يطل على البحر الأبيض المتوسط، حين إنفجرتْ إحدى القنابل خارج المبنى وانفجر معها الحائط الزجاجي إلى الداخل حيث يجلس التلاميذ؛ وبطريقة معجزيَّة لم يُصَبْ أحدٌ منهم بالزجاج المتطاير…
وما ذكرته هنا... قليل من كثير…
أضف ألى كل ما سبق... حالةٌ من اليأس والإحباط، مع انعدام أي بصيص أمل، ولا أثر لنورٍ ضئيل داخل النفق المظلم…دون أن يكون لدي أي فكرة عمّا يحمله المستقبل...
وبمرور سنوات قليلة، إستطعتُ أن أتغلَّب على الهلع والخوف الشديد الذي كان ينتابني...
فتعلَّمتُ السباحة... وكنتُ حينها في الثلاثين من عمري…
ثمَّ تزوجتُ في عمر الأربعين من رجلٍ مُحِبّ إلى أقصى الحدود،
ورزقتُ بطفلين مِثاليين إلى حد كبير، واللذين أفتخر بهما جداً…
في عمر ال ٤٥ تعلَّمْتُ التزلج على الجليد،
واستأنفت مهنة التدريس وأنا في عمر ال ٤٩، ثم حصلتُ على شهادة الماجيستير في عمر الخمسين.
والآن أستمر في نفس العمل للسنوات أل ١٣ الأخيرة، وما زلتُ أسير بقوة... واذهب الى النادي الرياضي ثلاث مرات في الأسبوع!
لقد أتممت واجبي باجتهاد، وعملتُ بجدّ، لكنني لم أفكر للحظة واحدة أنَّ هذا حدث بالصدفة.
فالأحداث التي ذكرتُها سابقا، كانت كل واحدة منها كفيلة بإنهاء حياتي، لكنني نجوْتُ بإعجوبة!
ولا بدّ أنَّ هنالك سبب لأجله حفظني الله على قيد الحياة، وجعلني أستمر حتى الآن…
وربما يكون السبب هو الإستمرار في إملاء نصائحي لمن يريد أن يصغي إليها!، إما بمحض إرادته، أو بالإلزام! (مثلما يفعل أولادي) أو لكي أعطي أقرب المقربين إلي خصوصاً زوجي - الفرصة للتدرُّب على الصبر، أو سبب آخر أعجز عن إدراكه…
لكنني متأكدة من أمر واحد، أنَّ يدّ الله كانت تعمل وسط كل هذا، وهي ما زالت تعمل، وستظل تعمل دائماً…
ولهذا أنا شاكرة لأجل الماضي، ومُمْتَنَّة لأجل الحاضر، ومتفائلة لأجل المستقبل…
مع محبتي لكم جميعاً…
الموت, الشكر, الكلمات, الحاضر, الماضي, الذكريات, شهادة, انفجار
- عدد الزيارات: 1520