الحياة من دون أطراف... هل تستحقّ أن تُعاش؟
مهما تكن احتياجاتك... أنت متميّزة...
إنّها اللّحظة التي تمر في حياتنا عندما نصطدم بجدارٍ وهميّ... يوقف مسيرتنا لنَتَفَحَّصَ شجاعتنا ونختبر إرادتنا... العديد من الآباء والأمّهات قالوا لأولادهم: "تستطيع أن تُحقِّق ما تريد"... فيما البعض الآخر إصطدم بذلك الجدار، وسخر من هذه العبارة واعتبرها سذاجة وتفاؤلاً مُخادِعًا... وهناك العديد من الأمثلة التي دعم أصحابها هذا الحكم... "زوولي سانغينو" هي واحدة من هؤلاء الأشخاص…
وُلدت زوولي في بوغوتا / كولومبيا عام ١٩٨٩ - وفي حالة نادرة، من دون أطراف... وهذا يعني أنّها لا تتمتّع بيدين ولا رجلين... هذا ما دمَّر طفولتها... وجعل والدها يُقدِم على الإنتحار عندما كانت هي في سن السّنتين... تاركًا لوالدتها أمر الإهتمام بستّة أطفال، في بلدٍ لا يؤَمِّن أيّة مساعدة مادّية للمعاقين...
وبالتّأكيد، فإنّ والدة زوولي "غوليرمينا"، كانت لها قدوة صالحة، وعلَّمتها معنى التّصميم من خلال تصرّفها معها... فمنذ البداية، حرصت الوالدة على إقناع طفلتها بأنهّا تستطيع أن تعيش حياة طبيعيّة، وأصرَّت على ذلك... وكانت تدرِّبها على الإتّكال على نفسها... فعلَّمَتها كيف ترتّب فراشها بنفسها، وتنظّف أسنانها، وترتدي ملابسها، وتستعمل فمها لتُسيطر على الأشياء...
وبالرّغم من كلّ هذا، لم تكن حياة زوولي سهلة على الإطلاق... فقد تعرّضت للمضايقة والتّنمُّر من دون شفقة من قِبَلِ أترابها الأطفال - حين لَقَّبوها بِ "الدَّخيلة والغريبة والمُخالِفَة" ليتجرَّأوا ويسرقوا لها وَجباتها... وقد حاولت زوولي الإنتقال من مدرسة إلى أخرى، هربًا من المضايقة، لكنّ السّخرية والإستهزاء إستمرّا...
وتقول زوولي: "كنتُ أذهب إلى الفراش وأحلم أن أستيقظ وأكون مثل أيّ شخص عادي... كنت منبوذة من الجميع ومن دون أصدقاء... وظننت أن لا أمل لي... لكنّ والدتي كانت تعمل على رفع معنويّاتي في كلّ مرّة أصل فيها إلى الإنهيار... واستمرّ الإيذاء والإساءة لي ...إلى حدِّ الإغتصاب، عندما كنت في الخامسة عشر من عمري... تلك كانت النّقطة الأدنى في حياتي، والتي جعلتني أعتقد حقًّا أنّ الحياة لا تستحقّ أن تُعاش... بعدها صعدت إلى الطّابق الرّابع لأرمي بنفسي...
لكنّ الله كان له رأي آخر، وكانت لديه خطّة رائعة لحياتي... لقد ظهرت أمّي فجأة في تلك اللّحظة ومنعتني من القفز... لقد أيقنَتْ أمّي بأنّ حياتي قد دُمِّرتْ تمامًا... فاحتضنتني وغمرتني وأخبرتني بأنّه سيأتي اليوم الذي فيه سأتَألَّقُ وأبدو بصورة لامعة أمام النّاس، وأُبَرهِن لهم بأنّني أستطيع أن أعيش حياتي بفرح رغم إعاقتي... كانت أمّي يومها ذلك الملاك الذي رافقني وما زال إلى جانبي، وأنا أشكر الله من أجلها"...
وبتشجيع ودعم كبير من أمّها، سَعَتْ زوولي جاهدة من أجل إعادة ثقتها بنفسها، بعد أن وصلت إلى الحضيض... واليوم تقول زوولي: "أنا لا أملك أطرافًا، لكنّ ذلك لن يعيقني... لقد إكتشفتُ أنَّ الله أعطاني موهبة الرّسم… وأستطيع أن أمسك الرّيشة بفمي وأرسم لوحات رائعة... لقد إلتحقتُ بمعهد للرّسم عندما بلغتُ سن ال ١٨... وأوَّل محاضرة ألقيتها كانت أمام ٤٠٠ طالب مع ذويهم، وقد تكلَّمتُ عن التَّنَمُّر في المدارس... كان الأمر في البداية صعبًا عليَّ، وبكيت عندما بدأتُ محاضرتي لأن الموضوع مؤلم ويحمل ذكرياتٍ أليمة... لكنّ والدتي وقفت إلى جانبي لتدعمني... لقد صَفَّقَ لي الجميع وهذا ما جعلني أُتابع"...
زوولي اليوم تتكلَّم بصفةٍ رسميّة في السّجون والمدارس ومراكز العمل! وهي تشهد أمام الجميع بأن الله قد دعاها وقد بدَّل الظلام الذي عاشته، وأعطاها القوّة لكي تتغلَّب على اليأس وتُحَوِّله إلى أملٍ يتدفَّق ويصل إلى حياة الآخرين... وهي تبيع لوحاتها ومحاضراتها - كمتكلِّمَة مُلْهِمَة، لتُؤمِّن معيشتها ومعيشة عائلتها... وقد تَخَطَّتْ الأذى الذي لحِق بها، وهي تأمل أن تخترق قصّتها حدود بلادها، وهي تحلم بتأسيس ميتم يضمّ الأيتام في يومٍ ما...
وتقول زوولي: "ألإعاقة لن تهزمني... فأنا برهان صارخ... الظّلمة التي مررتُ بها قادتني نحو النّور الذي أعيشه وأحاول أن أوصله للآخرين!"
الرسم, التصميم, الإرادة, الإغتصاب, الموهبة , الإعاقة الجسديّة, محاربة التنمر, زوولي سانغينو, الإيذاء والإساءة, التشجيع ودعم الأم, الفن والرسم
- عدد الزيارات: 1925