ماما عائشة، لسان الأمّهات العازبات
لم تنمْ عائشة ليلتها تلك وهي تحاول إبعاد تلك الصّورة المحزنة عن خيالها، فأقسمَتْ بأن تناضل من أجل وضع حدٍّ لهذا الظّلم الإجتماعي، وأن تدافع لنصرة "الأم العازبة."
ولدتْ عائشة الشنّا عام ١٩٤١ في المغرب، يومها كان محظورٌ على الفتيات بأن يتعلَّمنَ...
"التّضامن" هو العنوان الذي يلخِّص حياتها، فقد توفّي والدها وهي في سن الرّابعة، لكنّها شعرتْ بتضامن عائلتها وجيرانها كونها يتيمة... ولا تنسى عائشة تضامن والدتها معها ودعمها لها لتتابع دراستها في الوقت الذي مُنِعَتْ فتيات بلدها من حقهنَّ في التعلُّم...
حصلتْ الشنّا على وظيفة في قسم أمراض الجذام في وزارة الصّحّة، لكنّها أُصيبَتْ بانهيار عصبي جعل رئيسها يسارع إلى فصلها من عملها، لكنّ زملاءها تضامنوا أيضًا معها آنذاك...
عام ١٩٨١ رأتْ الشنّا مشهدًا غيَّر مسار حياتها، حين دخلتْ المكتب الذي تتواجد فيه فتاة قرويّة صغيرة السّن، تحمل رضيعًا بين ذراعيها... لقد وُلِدَ هذا الطّفل نتيجة علاقة غير شرعيّة، وقد رفض الوالد الإعتراف به... كلّ الأبواب أُقفلتْ بوجه هذه الأمّ المسكينة، فلم يكن أمامها سوى التّخلّي عن رضيعها... وكان تخلّي "الأم العازبة" عن طفلها أمرًا شائعًا في المغرب حينها... وبينما كانت الأمّ تستعدُّ كي تبصم على ورقة التخلّي عن الرّضيع، كان الطّفل يصرخ ويزداد تمسُّكاً بها فيما هي تحاول إبعاده عنها...
لم تنمْ الشنّا ليلتها تلك وهي تحاول إبعاد تلك الصّورة المحزنة عن خيالها، فأقسمَتْ بأن تناضل من أجل وضع حدٍّ لهذا الظّلم الإجتماعي، وأن تدافع لنصرة "الأم العازبة."
وبعد مرور ٥ سنوات أسَّستْ عائشة "جمعية التّضامن النّسوي" بشكلٍ رسميّ، وبذلك إعترف المجتمع المغربي بظاهرة "الأمّهات العازبات" في المملكة، ممّا أدى إلى إنتقادها والتهجُّم عليها إلى حدِّ تهديدها بالقتل بتهمة التّشجيع على الفساد... وكادتْ عائشة أن تتراجع عن خطوتها نهائيًّا خشية تعرُّضها للأذى، إلا أنَّ الكثير من الوجوه السّياسيّة والحقوقيّة والإعلاميّة وقفوا إلى جانبها وتضامنوا معها، لتعدل عن نيَّتها بالتّخلّي عن مشروعها الإنساني...
عُرِفَتْ عائشة ب "ماما عائشة" بعد تأسيسها لتلك الجمعيّْة، وقد تجاوزتْ الصّدمة التي أحدثَتْها في ذلك المجتمع المحافظ... وقد شَرَعَتْ في البحث عن موارد ماليّة لدعم جمعيتها، فحوَّلتها إلى مركز يضمّ مطعمًا ومشاغل للأمّهات، حيث يعملنَ ويكسبنَ رزقهنَّ بأنفسهنَّ ولا يتعرَّضنَ للتّشرُّد مع أولادهنّ في الشّوارع...
وقد حظيَتْ بتجاوب كبير من داخل ومن خارج المغرب، حتّى إنّها حظيَتْ بدعمٍ مادّي من منظَّمات دوليّة...
وفي عام ٢٠٠٠ مُنِحَتْ الشنّا وسام الميداليّة الفخريّة من قِبَل الملك المغربي محمد السّادس... وقد فازتْ أيضًا بجائزة البنك الدّولي كأفضل رائدة في مجال العمل الإجتماعي في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا...
المرأة الأم, الأمّ_العازبة, التضامن, العمل الاجتماعي, الظلم الاجتماعي, عائشة الشتا, ظاهرة الأمهات العازبات
- عدد الزيارات: 2916