أغرس الأمل في نفوس اللاجئين
لقد إضطررتم للسفر من بلادكم بسبب العنف والجوع... لكنكم الآن ومع موهبتكم الرائعة وروحكم الإنسانية، تساهمون بشكلٍ كبير في المجتمع...
تحدَّثنا في مقالٍ سابق عن فتاةٍ سوريَّة هربتْ من بلادها على متن قارب مطاطي في رحلةٍ إستغرقتْ شهراً كاملاً.
إنها يسرى مارديني التي هربتْ مع أختها من الحرب والقصف، والتي أخبرت قصتها بكل شجاعة وفخر أمام الصحافيين ووسائل الإعلام.
ولا بد أن نذكر هنا بأنه خلال الرحلة تعطَّل القارب الذي يحمل ٣٠ سورياً آخرين بينهم طفل في الثالثة عشرة، وتسرَّبَتْ المياه إلى داخله، في حين أن معظم الركاب لا يتقنون السباحة... فما كان من يسرى إلا أن قفزت هي وأختها في المياه، وتناوبتا خلال ثلاث ساعات ونصف على جرِّ القارب إلى الشاطيء.
وقالت يسرى للصحافيين: " كُنتُ أُفكر أنه سيكون مُخجلاً أن يغرق القارب لأننا سباحون... كدتُ أكره البحر بعد ما حصل..."
قطعت الفتاتان رحلة شاقّة من اليونان إلى مقدونيا، فصربيا والمجر والنمسا، سيراً على الأقدام حيناً وبالقطار حيناً آخر، أضف إلى ذلك مخاطر عبور الحدود... إلى أن وصلتا أخيراً إلى ألمانيا... وكان الهدف الأوَّل منذ وصولهما هو الوصول إلى نادٍ للسباحة.
فالإشتياق إلى ربوع الوطن، والحنين لكل شيء، والإفتقاد إلى المنزل والسرير والعائلة، لم يُثنِ يسرى إبنة ال١٨ سنة عن عزمها، إذ أنها إنضمَّت لنادي للسباحة قرب مخيمٍ للاجئين، وبدأتْ تتدرَّب يومياً وفي ساعات الصباح الأولى، وقبل ذهابها إلى المدرسة في حوض السباحة، وتعود إليه مجدّداً في المساء.
كان من المقرَّر أن يتم تحضيرها للألعاب الأولمبية عام ٢٠٢٠ والتي ستقام في العاصمة اليابانية، إلا أنَّ تقدمها السريع، جعلها مُهيّأة للمشاركة في سباق ال ١٠٠ متر فراشة وال ١٠٠ متر سباحة في الألعاب الأولمبية في ريو دي جينيرو لعام (٢٠١٦).
وقد أَثْبَتَتْ مارديني أمام العالم بأنَّ شعب بلادها جدير بالحياة رغم ويلات الحرب والموت والتهجير، من خلال مشاركتها ضمن فريق مؤلف من عشرة لاجئين، جمعتهم مفوَّضيَّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أوَّل فريق من نوعه في تاريخ الألعاب الأولمبية.
ومن العلامات الفارقة التي ميَّزَتْ هذا الفريق، أنَّ التنافس تمَّ من دون نشيدٍ وطني أو علمٍ للبلاد... وقد غرَّدَتْ يسرى عبر حسابها الرسمي على تويتر قائلة: "الوطن في قلوبنا... وليس راياتٍ ترفرفُ فقط..."
وتحدثتْ مارديني عن تجربتها الأولمبية الأولى قائلة: "كل شيءٍ كان رائعاً... طوال حياتي كُنتُ أحلمُ بالمنافسة في هذه الألعاب... أنا سعيدة لرؤية بطلات السباحة هنا... المنافسة مع أولئك الرياضيات أمرٌ مُثير..."
وفي كلمته، وجَّهَ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، رسالة خاصة لفريق اللاجئين خلال حفل إفتتاح الألعاب فقال:
"أنتم تبعثون برسالة أملٍ لملايين اللاجئين حول العالم. لقد إضطررتم للسفر من بلادكم بسبب العنف والجوع... لكنكم الآن ومع موهبتكم الرائعة وروحكم الإنسانية، تساهمون بشكلٍ كبير في المجتمع..."
تلقَّتْ يسرى عدداً كبيراً من الطلبات التي يريد أصحابها صناعة فيلمٍ عن قصتها مع إختها، حتى أنَّ هوليوود عَرَضَتْ عليها هذا العرض.
وتقول يسرى: "أنا جزءٌ من فريق اللاجئين... ولدينا رسالة... هناك ٦٠ مليون لاجىء في كل أنحاء العالم... عليَّ من خلال قصتي أن أغرس الأمل في نفوس اللاجئين..."
- عدد الزيارات: 2693