Skip to main content

تنكرت بثياب رجل

تنكرت بثياب رجل

"عَمِلْتُ في حصاد القمح، وصولاً إلى العمل في حَفْرِ المدافن وتَعْميرها... وقد انتهى بي الأمر إلى مسح الأحذية وتلميعها..."

٤٣ سنة تنكرت بثياب رَجُلْ... فحَصَلَتْ على لَقَبِ "الأم المثاليّٓة" ٢٠١٥

لم تَعْلَمْ "صيصَة" إبنة الواحد والعشرين ربيعاً، بأنَّ زوجها سيغادرها باكراً وإلى الأبد، وهي حامل بابنتها الوحيدة، دون أن يترك لها مورد رزقٍ تجد فيه قوتها اليومي. وهكذا واجهت "صيصَة" قسوة الحياة، إذ أنَّ تقاليد وعادات "الصعيد" في مصر، ترفض خروج المرأة للعمل. فما كان من هذه المرأة إلاّ أن تَنَكَّرَتْ بزيِّ رَجُلٍ، بعد أن حَلَقَتْ شعرها وارتَدَتْ ملابس الرجال، وخرجتْ إلى العمل بعد أن وضعتْ إبنتها "هدى". 

تقول صيصَة: "إرتديْتُ (الجلباب الصعيدي) والعمَّة البيضاء، وحذاءً رجالياً أسود اللون، وعملْتُ في العديد من الأعمال الشّاقة التي لا يعملها سوى الرجال... بدءاً من صناعة حجارة اللِّبْنِ والإسمنت وحملها وبنائها... كما عَمِلْتُ في حصاد القمح، وصولاً إلى العمل في حَفْرِ المدافن وتَعْميرها... وقد انتهى بي الأمر إلى مسح الأحذية وتلميعها..." 

هكذا واجهتْ "صيصَة" قسوة الحياة وخشونتها في سبيل تأمين معيشتها ومعيشة ابنتها الوحيدة. واستمرَّ الحال هكذا إلى أن كبرتْ إبنتها... ونَجَحَتْ "صيصَة" في تزويجها. لكنها ما لبِثَتْ أن واجهتْ قسوة الحياة للمرَّة الثانية بعد مرض زوج إبنتها، لتتوَلّى هي أمر الإنفاق عليه وعلى إبنتها وأحفادها الخمسة. 

وتتابع "صيصَة"، لقد تَنَكَّرْتُ بزي رجلٍ لمدَّة ٤٣ عاماً، ولجأتُ إلى العمل بدل اللجوء إلى التسوُّل، وفي هذا كُنتُ أحمي نفسي من الرجال وقسوة نظراتهم، ولذلك قرَّرْتُ أن أكون رَجُلاً لكي لا يتعرَّضوا لي ويضايقونني. لقد عَمِلْتُ بجوارهم في مناطق وقرى عديدة ولم يتعرَّض لي أحد. 

أما عن لقائها بالرئيس "عبد الفتّاح السيسي" فتقول "صيصَة" بأنَّ مكتب الرئاسة قد أبلغها عن هذه المقابلة، وأنها قد اختيرَتْ من قِبَل وزارة التضامن الإجتماعي "كأُم مثاليَّة للعام ٢٠١٥". 

وقد عَرَضَ عليها المكتب الرئاسي بأن ينقلها من الأُقْصُرْ إلى القاهرة بواسطة الطيّارة، لكنَّها رَفَضَتْ وفَضَّلَتْ أن تأتي بواسطة "الأوتوبيس".

وتتابع "صيصَة"، لقد تأثَّر الرئيس السيسي عندما سمع حكايتي، وعندما سألني عن حياتي لم أستطع أن أُمسِكَ دموعي أمامه، فطلبْتُ منه أن يساعد إبنتي في الحصول على منزل، وأن يُوَفِّرَ معاشاً لزوج إبنتي المريض.  

وكانت وزارة التضامن الإجتماعي قد كرَّمَتْ "صيصَة أبو دوح النمر حسانين" ٦٤ عاماً، بعد أن اختارَتْ لها لَقَبَ "الأم المُعيلة" لعام ٢٠١٥ عقلى مستوى الجمهوريَّة، بعد رحلة كفاحٍ دامَتْ أكثر من أربعين سنة، تَخَلَّتْ خلالها "صيصَة" عن أبسط حقوقها كامرأة. وقد طَلَبَتْ صيصَة من جمعية الأورمان الحصول على دكان صغير، فأسرَعَ محافظ الأُقصُر   

في الإستجابة إلى طلبها خلال ٤٨ ساعة. وقد قرَّرَ مدير عام هذه الجمعية إعفاءَها من سداد الأقساط المتوجِّبة عليها تقديراً لرحلة كفاحها. 

لم تكن صيصَة أنانيةً ولو لمرَّةٍ واحدة في حياتها... فقد عملَتْ المستحيل من أجل ابنتها، وعندما سنَحَتْ لها الفرصة لمقابلة الرئيس، لم تتوانَ عن متابعة التضحيات... فَبَدَلاً من أن تطلبَ شيئاً من أجل نفسها، طلبتْ من أجل زوج ابنتها المريض، وهكذا حصلَتْ على لَقَبِ الأم المثاليَّة بدرجة امتياز. 

المرأة الأم, العمل, القمح, الرجل, المدافن

  • عدد الزيارات: 2201