Skip to main content

أَقْعَدَهُ الشلل... فَكَتَبَ بعينيه

أَقْعَدَهُ الشلل... فَكَتَبَ بعينيه

عادة نتذكر السيدات المتميزات... لكن هذا الأسبوع أوقفتني هذه المعلومة عن هذا الدكتور المتميز ولم يسعنا إلا أن نشارككم عن قوة الإرادة الرائعة... (قصَّة واقعيَّة)

إرادَتُه أقوى من المرض، وعزيمته تَخَطَّتْ الإعاقة التي سبَّبَها له الشلل... الإستسلام لم يكن خياره... فحوَّل المستحيل إلى إمكانيات وَضَعَها في خدمة أصدقائه وزملائه الأطباء ومرضاه. 

إنه الطبيب اللبناني "جميل زغيب" المُتَخصِّص في طب الأطفال....

ففي عام ٢٠٠٨ وفي عزِّ نجاحه في عمله، وبعد عودته من فرنسا حيث أنهى دراسته، أصيب الطبيب اللامع بمرضٍ نادرٍ، وغير معروف السبب "التصلّب الجانبي الضموري ALS." ويضرب هذا المرض الممرات العصبيَّة الممتدَّة من مراكز الحركة في الدماغ مروراً بالعمود الفقري حتى نهاية الحبل الشوكي. مما يؤدي إلى شللٍ ينتشر تدريجياً ليوقف الجسم نهائياً عن الحركة. فلا ينجو من الشلل سوى بعض عضلات الوجه والجفون والعيون. وهكذا أبلغ الأطباء د. زغيب بأنه لا مفرَّ من زحف الشلل الذي لا يمكن إيقافه، إلى كافَّة أعضاء جسمه. 

وقد طاوَلَ الشلل تدريجيّاً يدي الطبيب ورجليه، حتى تمَكَّن من جسده بالكامل، ولم تَسْلَمْ سوى عيناه اللتان جالتا في حركةٍ لا تهدأ بحثاً عن الأمل. 

إلا أنَّ د. زغيب قرَّرَ تحدّي المرض بالإعتماد على قوَّة العقل وحِدَّة الذكاء. فبدأ بالتواصل مع الآخرين عبر شاشة كومبيوتر مُزَوَّدَة بجهازٍ متطوِّر يتتبَّع حركة العين عبر الأشعَّة ما تحت الحمراء... يعرض هذا الكومبيوتر قائمة الحروف، وعندما تستقرُّ عينا زغيب على إحداها، يعرف الكومبيوتر أنَّ المريض قد اختارها، فيحفظها ويُظْهرها في كلمات وَجُمَل. وعندما وصل المرض إلى عضلات النُطق عنده، عَمَدَ زغيب إلى إستخدام جهاز متطوِّر آخر، يعمل أيضاً على تتبُّع حركات العين، لكنَّه يُحَوِّل الحروف والكلمات التي يختارها المريض إلى صوت. وهكذا إستطاع زغيب وبذكائه الحاد، ألإستمرار في التواصل مع زملائه ومع تلامذة الطب عبر برنامج "سكايب."

وقد ساعده هذا في تأليف كتبه الأوَّل بعنوان "حياتي ... قصَّتي"، والذي يحكي فيه سيرة حياته، وصراعه مع المرض ورحلة علاجه... كما أنّٓه لم ينسى أن يكتب عن دور العناية الإلهيَّة التي أحاطت حياته خلال تلك الفترة. 

وكونه طبيباً، فقد ألَّفَ كتاباً آخر ضَمَّنَه إرشادات علميَّة بسيطة عن طُرُق العناية السليمة بالأطفال "نصائح عمليَّة من أجل صحَّة الأطفال." 

كما فَتَحَ د. زغيب صفحة إستشارات طبيَّة مجّانية على موقع "فايسبوك" يتواصل عبرها مع الراغبين في ذلك من لبنان وخارجه. 

يُحاط د. زغيب بحبٍّ كبير، في حين تعتني به زوجته وأولاده فقط. وهذا ما ساهم في إحياء الأمل والحب الذي يشعر به جميع المحيطين به. 

يعكف د. زغيب حاليّاً على ترجمة كتابيه إلى العربية والإنكليزية، كما يزمع تأليف رواية جديدة يُظهِر فيها شغفه بالطبيعة وحبَّه للحياة القرويَّة التي صَبَغَتْ نشأته، والعلاقة الروحيَّة التي تربطه بالخالق من خلال تجربته الشخصيَّة.

 درسٌ لا حدود له في الإيمان بالعناية الإلهيَّة، والقدرة البشريّٓة على تخطّي المستحيل، وتَحَدّي إنهدام الجسد بالإعتماد على قوَّة العقل والعزيمة والإرادة. 

جميل زغيب... لقد صَدَحَ صوتك في سكوته، وقَهَرْتَ المرض من على سريرك... ألف تحيَّة لك... لقد ذكَّرتني بقول الشاعر:

قُلْ للذي أَحْصى السِنينَ مُفاخِرا       يا صَاحِ ليسَ السِّرُ في السنواتِ

بَلْ إنَّه في المرءِ كيف يعيشُها           في يَقْظَةٍ، أَمْ في عميقِ سُباتِ

جَعَلَ السِنينَ مَجيدَةً وجميلَةً            ما في مَطاويها من حَسَناتِ

المرض, لبنان, الكومبيوتر, الطبيب, الذكاء, التواصل, الشلل

  • عدد الزيارات: 2370