ما هو مرض الفصام؟
إذا سمح الله بوجود شخص مريض في عائلتك بهذا المرض العضال في هذه الظروف الصعبة، كيف ستتعامل معه وكيف ستنظر إليه؟ هل تلوم الله على ما سمح به، أم تلوم الظروف، أم تلوم نفسك؟ هل تعتقد أنه من الممكن أن يعود مُنتِجاً مرة أخرى؟ هل هناك خطورة منه؟
إن الإنسان كائن ثلاثي، يتكون من روح ونفس وجسد.
النفس تتكون من: الفكر (العقل) والمشاعر (العواطف أو الوجدان) العواطف (التي ينتج عنها سلوك)، هؤلاء الثلاثة مرتبطون معاً إرتباطاً وثيقاً، ومع العالم الخارجي، يؤثرون ويتأثرون ببعضهم البعض، فينتج عن ذلك تناغم وإنسجام بين مكونات النفس والعالم الخارجي.
وهذا نوضحه بمثال بسيط: في أثناء تواجد شخص ما بمنزله، سمع صوت طلقات نارية بالقرب منه (العالم الخارجي)، ففكر بأن هناك عدواناً عليه يهدد أمنه وحياته (التفكير)، فشعر بالخوف (المشاعر)، فدفعه هذا التفكير وهذا الشعور إلى إتخاذ قرار بالهرب، فقام وهرب بعيداً (إرادة وسلوك). ولكن إذا كان ذات الشخص متواجداً في السينما يشاهد فيلماً يقوم فيه الممثل بإطلاق طلقات نارية، فلن يفر هارباً كما في الحالة الأولى، لأنه يدرك ما حوله، المكان والزمان والأشخاص (عن طريق التفكير)، ويشعر بالإثارة والفضول لمعرفة ما ستُسفر عنه أحداث الفيلم (المشاعر)، فيستمر جالساً في مكانه حتى النهاية (سلوك).
هذا ما نقصده بالترابط بين مكونات النفس، لكن عندما يتفكك هذا الترابط وتنقسم مكونات النفس، وتنفصل عن العالم الخارجي والواقع والمنطق ينتج مرض الفصام.
الأسباب: لا أحد يعلم سبباً واحداً لمرض الفصام، ولكن المؤكد أنه تحدث إضطرابات في المواد الكيميائية بالمخ. وللعنصر الوراثي دور كبير في هذا الأمر. أما الضغوط النفسية، الأسرية أو الإجتماعية، فهي عوامل تساعد على ظهور المرض لمن لديهم العامل الوراثي. لعل أشهر هذه الضغوط هي نشأة الطفل داخل أسرة منقسمة مضطربة، يتلقى فيها أوامر متناقضة من الوالدين، كأن يقول الأب: إفعل، والأم: لا تفعل.
إكتشاف المرض:
إكتشاف المرض باكراً والبدء في العلاج يساهمان في السيطرة عليه. وغالباً ما تكون البداية في فترة المراهقة (من 15 إلى 25 سنة)، والأعراض قد تكون حادة وفجائية، وقد تكون بطيئة وتدريجية مما يؤخر من إكتشاف المرض. يلاحظ المحيطون بالمريض أنه أصبح منعزلاً، قليل الكلام، قليل الحركة، لا يتفاعل مع الآخرين أو الأحداث، الحاضر الغائب، يأكل وينام ويتصرف دون أن يشغل الحيز الذي كان يشغله قبلاً. لا يهتم بنفسه أو مظهره، متبلّد المشاعر، إجاباته مقتضبة ولا تحمل فكراً أو معنى. ويبدأ التدهور الدراسي أو الوظيفي في الظهور، وقد يكون قليلاً لا يُلاحظ. ويجب معرفة أن المريض لا يدرك أنه مريض على الإطلاق، وبالتالي فلن يطلب المساعدة بمفرده.
خصائص الفصام:
v يضرب مكونات النفس (التفكير والمشاعر والإرادة) ويفككها عن بعضها البعض. فتجد كل مكون من هذه المكونات قد تشوه وإضطرب، وانفصل عن المكونات الأخرى.
v تفكير المريض – والذي نعرفه من كلامه وحديثه أثناء المقابلة – يصبح مضطرباً شكلاً ومضموناً:
أ - شكل التفكير: لا نستطيع أن نحصل منه على إجابة واضحة ومحددة للسؤال، بل قد يدور ويدور ويذهب لمنطقة أخرى في الحديث، وقد يجيب عن سؤال آخر تماماً، وقد يتكلم كلاماً غير مفهوم وغير مترابط ببعضه.
ب- مضمون التفكير: قد توجد لديه أفكار أو قناعات خاطئة، ولكنها راسخة رسوخ الجبل، لا تستطيع أن تغيرها بالإقناع أو التفاهم أبداً، تسمى "ضلالات"، وهي أنواع كثيرة مثل: ضلالات العَظَمة (أنا نبي – أنا ربنا)، الإضطهاد (الناس عايزة تؤذيني – جيراني عاوزين يقتلوني)، التلميح والإشارة (الإتنين دول بيتكلموا عليّ – الشخص ده بيراقبني – القمر الصناعي بيصورني)، الخيانة (مراتي بتخوني لأني رجعت لقيت سماعة التليفون سخنة وعرفت إنها كانت بتتكلم لفترة طويلة)، فقدان السيطرة على أفكاره (الفكرة دي مش بتاعتي وحد زرعها في دماغي – الناس تقدر تقرأ أفكاري وتسحبها مني)
v المشاعر تتبلّد، فلا يشعر بشيء تجاه شخص أو موقف، وقد يبتسم ويضحك وهو يحكي عن وفاة والده أو عن مصيبة ألمّت به.
v الإرادة تقلّ وتتوقف، وهذا يفسّر عدم إهتمام هذا المريض بنظافته وعدم الإستحمام لشهور.
v إضطرابات في السلوك تتخذ صوراً عديدة مثل: حالات الهياج والعنف الجسدي والجنسي – أفعال شاذة وغير مناسبة للمكان والزمان – إرتداء ملابس غير مناسبة أو عدم إرتداء ملابس على الإطلاق.
v إضطرابات الإدراك أو الإستقبال: في الظروف الطبيعية لكي نسمع صوتاً لا بد من وجود شيء أو شخص يصدر هذا الصوت (فيما يعرف بالمثير)، وذات الأمر ينطبق على الرؤية والشم والتذوق واللمس (الحواس الخمسة). مريض الفصام قد يشعر بالإستثارة دون وجود المثير (فيما يعرف بالهلوسة، وهي أنواع: سمعية وهي الأكثر في الفصام - بصرية – شمّيّة – لمسيّة)، فتجد المريض يسمع صوتاً حقيقياً يشتمه، أو يأمره بفعل شيءٍ ما، أو يجادله، أو يعلّق على تصرفاته، وبالطبع لا يجد صاحب هذا الصوت، ولهذا تراه يكلم نفسه، أو يبتسم فجأة دون سبب، أو يشتم ويغضب وكأنه يتشاجر مع شخصٍ هو غير موجود.
العلاج:
v في المستشفى أم في المنزل: في حالة وجود أعراض حادة وعنف ورفض لتعاطي العلاج، لا بد من دخول المستشفى حتى يستقر المريض وتتحسن الأعراض.
v دواء كيميائي أم علاج بالصدمات الكهربائية: الأدوية الكيميائية تسمى مضادات الذهان، منها الأقراص ومنها الحقن طويلة المفعول، وهي لا تسبب إدماناً. ويجب التنبيه والتأكُّد من ابتلاع المريض للدواء. إذا رفض المريض العلاج بالفم، يمكن إستعمال الحقن طويلة المفعول، وأحياناً يتم إستعمال الإثنين معاً. العلاج بالصدمات الكهربائية قد نلجأ إليه إذا إستمرت الحالة الحادة دون تحسّن، وهذا النوع من العلاج لا يسبب ألماً للمريض ولا يضرّ به مطلقاً.
v التوقف فجأة عن العلاج معناه إنتكاسة (أي عودة ظهور الأعراض مرة أخرى، حيث أننا نتعامل مع مرض مزمن). لا تتوقع تحسناً قبل مرور شهر من بدء العلاج الذي يستمر لمدة تتراوح من 6 شهور إلى 3 سنوات أو أكثر.
v المتابعة: لا بد من زيارة الطبيب بصورة دورية لمتابعة المريض ومدى إستجابته وظهور أي أعراض جانبية. والطبيب وحده من يتحكم في جرعة العلاج بعد استقرار المريض بوقت كافٍ، ليصل إلى أقل جرعة دوائية مؤثرة.
v الأسرة المتحابة والمتماسكة والمترابطة هي من أقوى وسائل الدعم لمثل هذا المريض.
والآن، إذا سمح الله بوجود شخص مريض في عائلتك بهذا المرض العضال في هذه الظروف الصعبة، كيف ستتعامل معه وكيف ستنظر إليه؟
هل تلوم الله على ما سمح به، أم تلوم الظروف، أم تلوم نفسك؟
هل تعتقد أنه من الممكن أن يعود مُنتِجاً مرة أخرى؟
هل هناك خطورة منه؟
هل تراه قادراً على الزواج وتكوين أسرة يصبح مسؤولاً عنها؟
هل ستخبر الطرف الآخر قبل الزواج بالمرض؟... إلخ...
أسئلة نتركها معك أيتها القارئة العزيزة...
نقترح حضور فيلم :The beautiful mind - فيلم (عقل جميل)
عن قصة حياة جون فوربس ناش... الحائز علي جائزة نوبل في الإقتصاد
الفكر, الروح, العقل, الجسد, العائلة, النفس, العواطف, الوالدين, ما هو مرض الفصام؟, What is Schizophrenia?
- عدد الزيارات: 3974