عاداتنا.. تقاليدنا.. والتّغيير
أفضل مكان لنمتحن العادات الّتي تعلّمناها في صغرنا هو العيش في بلد غريب... ومن المفرح أيضًا أنّنا بتواضع نليّن أرواحنا لنتعلّم ونتّخذ عبرة من أولئك الّذين هاجروا... لأنّنا لن نقدر أن نتطوّر.. أو أن نزداد حكمة، إن تركنا "الأنا" فينا يقنعنا بأنّ عاداتنا هي الأفضل في العالم على الإطلاق...
في عمر السّابعة عشر، وضّبت حقيبتين.. بكلّ ممتلكاتي الأرضيّة.. أغراضي وملابسي.. وعاداتي المتأصّلة... تركت عائلتي ورائي، وهجرت بلدي الّذي أنهكته الحرب... قارّة جديدة.. على الجانب الآخر من الكرة الأرضيّة استقبلتني مع كلّ أمتعتي.. ومع معرفتي السّاذجة والمضلّلة... من تلك اللّحظة، في تلك البقعة الجديدة من المعمورة.. أصبحت عاداتي والتّقاليد الّتي حملتها معي باطلة.. وقد عفا عليها الزّمن...
في الجامعة.. تعرّفت إلى طلّاب كثيرين.. يافعين.. مليئين بالحماس والإندفاع.. وهم آتون من جميع زوايا العالم... كلّ منهم يحاول إخفاء مخاوفه وتلبّكه بينما يحاول بناء صداقات جديدة واستكشاف الحياة الجديدة... لاحظت... حتّى الطّلاب الّذي ينتمون إلى بلد واحد، لديهم لهجات مختلفة.. عادات مختلفة.. وحتّى أزياء مختلفة...
لطالما كنت أُعْجَب بالحضارات وأساليب الحياة المتميّزة الّتي يعيشها النّاس... التحقت بكلّ صفوف علم الآثار والحضارات الّتي كانت متاحة في الجامعة.. وكنت أتعلّم عن الحضارات القديمة جدًّا... وحين بلغت متوسّط العشرينات من عمري، صرت أسافر من بلد لآخر بكثرة.. وبفرح.. لأستكشف الحضارات المختلفة.. تقاليدها.. وطعامها...
العائلة.. البيئة الإجتماعيّة.. والتّقاليد... يساعدوننا في تكوين مشاعر الإنتماء لدينا وتنمّي شخصيّتنا... القيم والمبادىء تنغرس فينا ضمن رعاية بيئة اجتماعيّة، فيها تسعى تقاليد صحّيّة... هكذا بيئة.. تحافظ على حرف ومهن العائلة والفنّ.. كالزّخرفة والتّطريز.. الموسيقى.. رسوم الحنّاء.. صناعة الخزف والفخّار.. الحدادة.. الرّسم.. فنّ البناء.. الحياكة.. والشّعر.. هذه تقاليد قليلة نذكرها.. إنّما جميلة لكي نحافظ عليها وننقلها إلى الأجيال القادمة... التّقاليد تصوّر لنا لمحة رائعة عن أجدادنا.. وتعمّق جذور انتمائنا.. فوصفات الطّعام.. وطريقة الطّهو.. أساليب شهيّة لمشاركة حياتنا مع الآخرين...
إنّما... علينا أن نكون واثقين بتقاليدنا لنفتح المجال لأولادنا بالتّساؤل عنها...
لماذا نفرض التّقاليد على أولادنا؟!؟! فقط لأنّها "تقاليدنا" وهكذا "يجب أن تكون"، رغم أنّنا لا نملك المعلومات عن تاريخها أو معناها؟!؟!
هل سبق أن طرحنا علامات استفهام حول تقليد معيّن، لا نرى له معنى، في حضارتنا؟!؟!
ماذا ننفّذ في يومنا هذا، أمرًا يستحقّ أن يُذْكَرَ بالتّقدير من بين تقاليد الغد؟!؟!
نعم.. لتقاليدنا أهمّيّة.. ومهمّتنا أن نكون واثقين.. أذكياء.. وأقوياء بما يكفي للإجابة على أيّ سؤال يطرح علينا... وإن لزم الأمر، نغيّر ما ليس له أهمّيّة من بينها..
أيّ تقليد لا يأتي بالتّقدّم.. الفرح والمحبّة للجيل القادم، علينا تغييره اليوم!!!
مهمّتنا كأهل محبّين أن نقوّي أولادنا وأن نمنحهم حياة أفضل من حياتنا...
إن قالت حضارتنا "ما هو جيّد لنا، هو جيّد لولادنا".. فهذه حضارة تفتقر إلى التّعاطف... ولن تتقدّم ولن تتطوّر...
إن وجدنا أنفسنا أكثر شجاعة.. يمكننا أن نسأل: ماذ يشجّع الدّين الّذي ننتمي إليه؟!؟! وإن آمنّا بإله محبّ وعادل، فإنّ الحمكة تخبرنا بأنّ أيّ شيء مؤذٍ (جسدي كان أو نفسيّ)، مسيء، متكبّر، متعصّب جنسيًّا (ذكوري كان أم أنثوي) قاسٍ،... فهذا برهان واضح بأنّه تقليد من فعل الإنسان...
لعلّنا نُمنَحُ الحكمة والشّجاعة لننقل إلى أولادنا ما هو جيّد وخيّر.. ما هو متعاطف.. لطيف.. محترم.. نبيل.. نقيّ.. صواب.. وجميل...
الحكمة, التقاليد, العادات, التطور
- عدد الزيارات: 958