Skip to main content

قضية "لا شرف"

إسراء غريب

مجتمعات لم ولن تتقدم، ما لم تُزِل مفهوم العورة من قاموسها... فصوت المرأة عورة... جسدها عورة... اسمها عورة.

جرائم الشرف مرة أخرى .ولا اظن ستكون أخر جريمة...

ضجّ العالم العربيّ ومواقع التّواصل الإجتماعي كافّة منذ أسابيع بقصّة الفتاة المغدورة من قبل أهلها... وها مرة أخرى  تتحوّل الآمال إلى قتل... ودموع وألم!

إسراء غريب مثلا واحدة من المحظوظات  وقصتها لم تختلف عن العديد من الفتيات بعمر الورود، اللواتي لقين حتفهنّ على أيدي من اعتبرنهنّ الملجأ والحضن والآمان... لقين حتفهن بأبشع الوسائل والطّرق، لحماية ما يسمّى ب "قتل العار" و"جرائم الشّرف"... أيّ شرف هذا الذي يبيح قتل نفس بشريّة بحجّة حماية سمعة العائلة؟! أيّ شرف ستحصّله العائلة بعد قتل ووأد بناتهنّ اللّواتي لم يخطئن بشيء، سوى أنّهنّ أحببن في مجتمع يفضّل القتل والكراهية على الحبّ والسّلام... مجتمع أباح للرّجل أن يمتلك حياة أيّة أنثى تعنيه!

فمثلا إسراء غريب قُتِلَت لأنّها نشرت فيديو على مواقع التّواصل الإجتماعي لها ولخطيبها "للذّكرى"... فيديو يخلو من أيّ شيء منافٍ للأخلاق والآداب... لكنّه أثار غيظ بنات عمّها اللواتي حرّضن إخوتها عليها...

تفاديت الكتابة عن القصّة في البداية، إيمانًا منّي بأنّ الحقيقة ستظهر... وبما أنّ الحقيقة ظهرت، لا يسعني القول سوى أنّها ليست إلّا جريمة بشعة، خالية من المشاعر من كافة أفراد أسرتها... إسراء ليست مجرّد فتاة تعرّضت للقتل بسبب ما يسمّى "شرف العائلة المزعوم" والمرتبط بالفتاة في المجتمعات العربيّة... إسراء هي كلّ امرأة وفتاة تعرّضت للتّعذيب، للضّرب، للإهانة وللقتل من قبل أفراد أسرتها والمجتمع معًا...

"جرائم اللّا شرف" وهكذا سأسّميها لأنّها لا تمتّ للشّرف بصلة... فالشّرف هو في أن تحمي وأن تدافع وأن تصون الأمانة التي أوكلها لك الله، أوليست ألابنة أمانة للحفاظ عليها؟  

ما يعيب مجتمعاتنا العربية هو أنّها أباحت للرّجل فعل كلّ شيء... فهو نفسه، مهما فعل، "لا يعيبه شيء" وإن أخطأ، فهو "طيش شباب"... ولكن هي شبّهوها بالحلوى المغلّفة... شبّهوها بلوح الزّجاج، إن كُسِر فلا شيء يرمّمه... ولكن لم يشبّهوها بالإنسان... لم يروا فيها سوى جسدٍ أثار فيهم القلق والرّيبة لما ستفعله به... فأباح مجتمعنا الذّكوريّ لنفسه السّيطرة على هذا الجسد، واعتباره أحد ممتلكاته الشّخصيّة التي بإمكانه التّصرف بها كيفما شاء... والأسوأ من هذا، أنّه أصبح قبول العنف ضدّ المرأة أمرًا واقعًا، وهو عنف كرّسته، للأسف، الثّقافة السّائدة، لدرجة أنّ الكثيرات من النّساء لم يعدن يرين فيه مشكلة، بل يعتبرنه حقًّا إلهيًّا للرّجل...

مجتمعات لم ولن تتقدم، ما لم تُزِل مفهوم العورة من قاموسها... فصوت المرأة عورة... جسدها عورة... اسمها عورة...

توقّفوا عن هذا...

توقّفوا عن اللا-إنسانية...

أوقفوا العنف...

عاقبوا المجرمين ليكونوا عبرة لغيرهم...

ثقّفوا أولادكم...

عاملوهم بمساواة...

علّموهم أنّ بناتهم هنّ أمانة في أعناقهم...

سلام لروح إسراء ولأرواح كافّة الفتيات اللواتي قتلن بسبب ما يسمى "الشّرف"...

لأنّه: من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها أوّلًا بحجر... يوحنّا 8: 7

الثقافة, المساواة, جريمة, حقوق الإنسان, حقوق المرأة, لا شرف في القتل, قتل لا شرف, لست عورة

  • عدد الزيارات: 1440