Skip to main content

هذا ما تعلَّمتُه من والدي

وُلد والدي وتَرَعرعَ في الساحل الغربي لأفريقيا. وقد حصل على شهادة الدكتوراه بعد حصوله على منحةٍ جامعيَّة (Merit Scholarship) ،خوَّلته لأن يصبح أستاذاً مُحاضراً في إحدى الجامعات. 

وُلد والدي وتَرَعرعَ في الساحل الغربي لأفريقيا. وقد حصل على شهادة الدكتوراه بعد حصوله على منحةٍ جامعيَّة (Merit Scholarship) ،خوَّلته لأن يصبح أستاذاً مُحاضراً في إحدى الجامعات. 

وعندما يأتي الأمر إلى الذكاء الأكاديمي، فإنَّ والدي ومن دون ريب، هو أذكى شخص أعرفه على الإطلاق. وكونه ذكي جداً فهو لديه مجموعة من الأصدقاء المثقَّفين المحترمين، وهو على علاقةٍ وثيقة بهم. ويدرك والدي تماماً بأنَّ الذكاء بدون عملٍ سليم، يشبه إلى حدٍ كبير مليارديراً وحيدا مُحاصراً في جزيرةٍ مهجورةٍ، مع عدم وجود أي من وسائل الإتصالات لديه. فما الفائدة من تلك الأموال إن كنت لا تستعملها؟

وأنا أشكر الله، لأنَّ والدي قد استعمل تلك المعرفة التي يتمتَّع بها بحكمةٍ فائقة، في تربيتي مع إخوتي. 

وقد تعلَّمتُ الكثير منه، وهذا بعضٌ مما تعلمته فيما يتعلَّق "بكونك أباً".

١- أي شيء يستحِّق أن تعمله، فإنه يستحق القيام به على أكمل وجه.

لقد ذكرتُ في البداية عن حدَّة ذكاء والدي، لكن هذا هو نصف القصة. فقد كان والدي أيضاً عاملاً يعمل بكل جِدّ وبشكلْ لا يُصدَّق. فهو لا يرضى بأن يكون عمله "مقبولاً" فحسب. بل يريده بأن يكون "ممتازا". وهو يطالبني دائماً ويقول: "إذا أردت أن تقوم بعملٍ ما، فضعْ قلبك وروحك فيه، وأنجزه على أكمل وجه". وأذكر عندما كُنتُ طفلاً كُنتُ أبدأ يومي بترتيب فراشي، ثمَّ أقوم بتنظيف نفسي. عليَّ أن أكون مهذباً دائماً، وأكون مجتهداً جداً في المدرسة. فالخطوة الناقصة غير مسموحٍ بها أبداً. وبالرغم من إنه كان مشغولاً جداً، إلا أنه كان يتأكَّد بنفسه من أننا أنهينا جميع مهماتها على أكمل وجه، وكلُّ ذلك قبل أن يتوَّجه إلى عمله. نعم إنه درسٌ  بسيط، لكنه بالغ الأهميَّة. 

٢- أن تكون لطيفاً عندما يكون الجوّ ملائماً فقط.... فهذا لا معنى له. 

"كلنا يعلم ذلك الشخص. إنه من النوع الذي يلاطفك عندما يكون بحاجةٍ لمساعدتك، لكنه لا يأبه بمن لا مصلحة لديه معه". 

إنٌ أحداً لن يحب ذلك الشخص يا صديقي. لقد كان والدي إنساناً لطيفاً مع الجميع، ولا يحب تصنيف الناس. فهو لا يهمّه إن كُنتَ إنساناً ثرياً أو متواضعاً لا تملك شيئاً — لكنه سوف يبتسم، ينظر إلى عينيك، يلقي عليك التحيَّة بكلمة "سيِّدي"، ويجعلك تشعر بأنَّك أهم إنسان في محيطك. وأقولها بجديَّة، ما أصعب إن تكون لطيفاً وتحترم الآخرين... جميع الآخرين وفي كل حين. كان والدي يقول باستمرار، سأعلِّم أطفالي إن يكونوا لطفاء دائماً. 

٣- سامحوا الآخرين على الدوام. 

لقد إختبر والدي أشياء سيِّئة في حياته، وجميعنا إختبر هذا. لكن الفرق أنَّ والدي غفر لكل من أساء إليه. لم يحمل مرةً حقداً أو أخفى كراهية في قلبه، وكان يعلم أنَّ هذا لن يفيده كزوجٍ وكأب. ولكي أكون واضحاً، فالمسامحة لم تكن تعني له بأن يدعو "أعداءه" لتناول العشاء معهم. إنها وبكل بساطة أن يدع الإساءة تمرٌ وتذهب بعيداً ولا تترك لديه أثراً موجعاً. وهل هذا سهل التنفيذ؟ بالطبع لا... لقد إستغرق هذا مني أكثر من ٧٥٪ من شبابي لكي أتعلَّمه وأطبِّقه. لكني الآن حصلتُ على شهادةٍ في هذا المضمار. وكأهل، فإنه لا يمكننا أن نحفظ أولادنا من الألم العاطفي الذي سيتعرَّضون له عندما يكبرون، لكنني سأحاول جهدي لكي أضمن أنَّ قلوب أولادي ستكون نقيَّة من الكراهية والغضب، لكي يعيشوا الحياة الفُضلى. 

٤- من الأهميَّة أن تكون صلب العود، متين الإرادة، لتحقيق أشياء ذات معنى في الحياة. 

كانت جدتي (لوالدي) إحدى السيدات اللواتي صنعن التاريخ في غرب أفريقيا، وقد إنتُخِبَت لتكون إحدى أعضاء مجلس النواب. لكن وبالرغم من أنهم صوّٓتوا لها، فإنَّ مجموعة من الحمقى لم يكونوا سعداء كون إحدى الإناث هي في موقع السلطة والنفوذ. فقد تعرَّضت للتهديد المنظَّم؛ ورشقها الناس بالحجارة؛ وبصقوا عليها؛ ونعتوها بأوصاف؛ وحاولوا أن يجعلوا حياتها بائسة. لكن ورغم كل هذا، فقد واصلت مسيرتها وتابعت مهمتها لكي تجعل من بلدها أفضل بلدٍ يعمل لخير مواطنيه— بما فيهم هؤلاء الذين عذَّبوها. ومع إنه قد مرّت عدَّة سنوات على رحيلها، فإنَّ والدي لا يزال يتحدّٓث عن جدتي وعن صلابتها وقوَّة إرادتها، وكيف أنه يريد أن يرى أولاده وهم يتشبَّهون بها.  

٥- إحتفل بالحياة. 

هذا هو شعار والدي. لقد كان يقول لي باستمرار: "لا يهم ما الذي يجري في عالمك، عليك أن تقتسم وقتاً قليلاً من يومك وتحتفل بالحياة". تبرّع للجمعيات الخيرية، إصنع معارك دغدغة مع أطفالك، غنِّ وأنت تستحم، تناول الآيس كريم، قم بأي شيء يسبب لكِ السعادة ولو ليوم واحد في حياتك. فلا أعذار....

لقد ثبّٓت والدي هذه الحقيقة عندما مرضتْ والدتي مرضاً عضالاً، ولم نكن نعلم إن كانت ستتعافى منه ام لا. لقد طلب مني والدي أن أحتفل وإياها كل يوم. وهذا ما فعلتُه تماماً. وبعد مرور سبع سنوات شُفيتْ والدتي من مرض السرطان.  وكان هذا دافعاً حقيقياً كي أحتفل بالحياة مع أولادي.  

إحتفلوا بالحياة دائماً، فإنَّ الإحتفالات تصنع أجمل الذكريات. 

أبي، شكراً لك لأنك الرجل الأوَّل الذي أتطلَّعُ إليه. وأنت هو الرجل الخارق في نظري. وأنا مُمتنَّن جداً لأنك مثالي الأعلى _ 

فقد علَّمتني معنى الأبوّٓة. أُصلّي أن تكون لأولادي الذكريات ذاتها عني، لأنني تعلَّمتُ منكَ كُلَّ شيء. 

عيدٌ سعيدٌ يا أبي.

الحكمة, التربية, التسامح, تربية الاولاد, الغفران, العائلة, الذكاء, عيد الاب, what i learned from my dad

  • عدد الزيارات: 2587