قراءة اللّافتات
ماذا عن الحالات النّفسيّة العصيبة الّتي نعيشها كلّ يوم؟! من يقرأها؟! من يراها؟! من يشعر بها؟! لم نَرَ قطّ إنسانًا يلبس لافتة على صدره أو ظهره بعبارة "أعاني من مرض قاتل"... أو "أمرّ بتجربة قاسية في الطّلاق بعد زواج فاشل"... أو "خسرت شخصًا عزيزًا منذ فترة"... أو "أشعر بالإحباط والفشل والحزن الشّديد"...
بينما نحن في السّيّارة، نقرأ اللّافتات على جانب الطّريق... أكثرها تعطينا الإتّجاهات أو إشارات السّير المختلفة... وبعضها يحذّر من طرقات خطرة، أو طريق متعرّجة... مطبّات... منها ما يقول "تمهّل"... ومنها ما يحدّد السّرعة الّتي لا يجب تخطّيها لسبب أو لآخر... بالطّبع، من أجل سلامتنا والسّلامة العامّة علينا اتّباع هذه اللّافتات وتنفيذها بدقّة تفاديًا للحوادث...
منذ فترة، بينما كنت أقود متّجهة نحو مركز العمل، التقيت بسيّارة أمامي، حيث كان السّائق يقود بسرعة بطيئة جدًّا، ويتمهّل كلّما وصل إلى منعطف أو كلّما التقى بسيّارة أخرى آتية من الجهة المقابلة... على الزّجاج الخلفيّ قرأت لافتة: "أنا أتعلّم القيادة... شكرًا لتفهّمكم وطول أناتكم"...
بمجرّد أنّي قرأت تلك العبارة، ومن دون أن أشعر، أخذت أراقب تمايل السّيارة أمامي على المنعطفات، وصرت أتأمّل الدّقة الّتي يقود به السّائق بينما كان يتّبع تعليمات المرشد على المقعد بجانبه... وفكّرت: إنّه يجيد القيادة، بالرّغم من أنّه ما زال قيد التّدريب... وحين وصلت إلى مركز العمل، تعجّبت من أنّني لم أنزعج أبدًا من السّائق "البطيء" أمامي... لم أكن أعلم بأنّني أمتلك طول الأناة تلك...
وبينما كنت أكلّم زميلتي عن سبب تأخيري، سألتني متعجّبة: لو لم تقرأي تلك العبارة على الزّجاج الخلفيّ، أكنت ستتصرّفين بنفس الهدوء وطول الأناة؟! لو لم تعلمي أنّ السّائق ما زال في مرحلة التّدريب على القيادة، أكنت ستبقين هادئة هكذا بسبب تأخيره لك؟! بالطّبع، إجابتي كانت بالنّفي... وكان هذا الدّرس الّذي تعلّمته!
تلك العبارة على الزّجاج، تخبر الجميع بحال السّائق... تلعب دورها جيّدًا في تهدئة السّائقين الآخرين فيتمهّلون وراءه ويدعونه يأخذ وقته لسلامتهم وسلامته في آن معًا...
ولكن، ماذا عن الحالات النّفسيّة العصيبة الّتي نعيشها كلّ يوم؟! من يقرأها؟! من يراها؟! من يشعر بها؟!
لم نَرَ قطّ إنسانًا يلبس لافتة على صدره أو ظهره بعبارة "أعاني من مرض قاتل"... أو "أمرّ بتجربة قاسية في الطّلاق بعد زواج فاشل"... أو "خسرت شخصًا عزيزًا منذ فترة"... أو "أشعر بالإحباط والفشل والحزن الشّديد"...
لو كان باستطاعتنا أن نقرأ أو نرى بأمّ أعيننا ما يعاني منه الآخرون من حولنا، لكنّا تعاملنا بلطف أكثر، ومحبّة أكبر... لكنّا تفهّمنا الغضب الّذي يجتاح أنفسهم... لكنّا مددنا يد المساعدة ومنحناهم فرصًا أخرى بصبر وطول أناة...
إنّه أمر طبيعيّ، أن نتحلّى باللّطف والمحبّة حين ندرك مشاعر الآخرين ونتحسّس مدى معاناتهم... فقراءة اللّافتات تكون سببًا لكي نتعامل مع الآخرين ولو كانوا غرباء بعطف وتفهّم... ولكن، للأسف، لا توجد لافتات كهذه!
لهذا علينا في جميع المواقف أن نتحلّى بخصال الصّبر وطول الأناة واللّطف والتّعامل المحبّ... فنحن في الحقيقة لن ندري ما يمرّ به الآخرون... من واجبنا التّعامل بلطف، أكانوا في حال جيّدة أم تعيسة... أكانوا يستحقّون ذلك أم لا...
هيّا بنا نمنح الأشخاص في حياتنا جرعة زائدة من اللّطف، والصّبر، والتّفهّم، والمحبّة...
المرض, الصبر, طول الأناة, اللطف, الحزن, الإحباط, التعامل مع الآخرين, المحبذة, مصاعب الحياة, التفهم
- عدد الزيارات: 1926