Skip to main content

تَعَلَّمَتْ القراءة خِفيةً...

تَعَلَّمَتْ القراءة خِفيةً...

لا بأسَ إنْ عَصَفَ الزمانُ بواحتي                وَتَكَسَّرَتْ روحي على أغصاني

لا بأسَ إنْ  طَرَدَ المكانُ شهامتي                 لأَلوذَ من سجني إلى سجَّاني

فاطمة العشبي ليستْ مجرَّد شاعرة عادية، بل هي أوَّل شاعرة يمنيَّة في القرن العشرين...

عشقَتْ الشِعْرَ فدفعتْ ثمنه باهظاً... قصتها ليست كباقي القصص... علاقة وطيدة تربطها بالحزن منذ الصغر...

لكنها عَمَّدَتْ شِعرَها بالحب ووزعته خبزاً على ملايين الفقراء، رغم رحلتها الحافلة بالأوجاع...

لم تكن فاطمة تعلم أنَّ أوَّل قصيدة لها ستفتح عليها أبواب الجحيم، بدءاً من والدها وصولاً إلى القبيلة بأكملها. 

تقول فاطمة:

"منذ وعيتُ على الحياة وأنا مليئة بالحزن، وعدم الرضا على الوضع الإجتماعي... تعرَّضتُ للضرب وأنا في السنين الأولى من حياتي، والسبب لأني كُنتُ أَمُصُّ إبهامي... وكان أحد الرجال المُقرَّبين من والدي يعاقبني بأداة قاسية، أو بِعَضِّ إصبعي حتى تسيل منه الدماء. كُنتُ أتلقى الضرب المبرِح، ولا أستطيع أن أدافع عن نفسي أو حتى أبكي، لأن الذي يضربني كان يمنعني من البكاء. لقد تسلَّطَ عليَّ منذ وعيتُ على الحياة... لذا نشأتُ حزينة أميل إلى الوحدة والتأمل والبحث عن الحقيقة... لقد استخدمتُ ذكائي واهتدَيْتُ لأُعلِّمَ نفسي بنفسي، ولتعليمي قصةً طويلة..."

وتتابع العشبي، "وُلدْتُ عام ١٩٥٩ في قريةٍ ريفية في اليمن، والدي هو شيخ القبيلة وقد منعني من التعلُّم خضوعاً للتقاليد... لكنني علَّمْتُ نفسي القراءة والكتابة خِفيَةً... أَحبَبْتُ الشِعر منذ نعومة أظافري، وكنتُ أكتبه وأنا صغيرة... لكنَّ والدي منعني من ذلك... لكنني إستمريتُ في الكتابة، وهذا ما استفزَّ القبيلة فحاكمتني، وقرَّرَتْ ترويجي رغم طفولتي... أما والدي فقد هدَّدني بقطع يدي إن إستمرَّيتُ في كتابة الشِعر، وهو أيضاً حَفَرَ لي قبراً...

لكنني أعلَنْتُ رفضي...

كُسِرَتْ عظامي وضُرِبْتُ حتى فقدْتُ الذاكرة لستة أشهر، وعندما صحوتُ وجدْتُ نفسي مع زوجٍ يعشق الدماء... لقد زُوِّجْتُ بالإكراه، وعانيتُ ما عانيته، وهنا بدأتْ معركتي لتحرير نفسي، وتوقَّفْتُ عن الكتابة... وعندما عادتْ ذاكرتي، وجدتني أبحث عن القصيدة، فعدْتُ إلى كتابة الشعر عام ١٩٨٦..."

لم أستسلم...

"لقد فُرِضَتْ عليَّ المعركة... فأنا لم أخطِّط لخوضها... كُنتُ أتوق لحياةٍ حرَّة، وكنتُ أخشى على نفسي من أن أكون مثل بقيَّة النساء تحت التعذيب القصري... وكنتُ كلما أرى الظلم يطاردني، واجهته بنفس الجبروت... في البداية لم أنتصر، ولم تنتصر القصيدة، فبسببها عوقِبْتُ وعشتُ الصراع مع القبيلة... أما والدي فقد كان يخشى من كلام الناس كونه شيخ القبيلة، فكان يقسو عليَّ، وكنتُ أبادله بنفس القسوة لشدَّة ثقتي بنفسي، فقد كُنتُ مقتنعة بأنٌ ما أعمله لا يُقَلِّل من شأني، وكنتُ أعتزٍّ بنفسي كثيراً... أريد أن أكون كأقوى رجل، لا كأضعف إمرأة..."

تَحَدَّتْ العشبي عن الحصار الأميركي على العراق عام ٢٠٠٣، أذ كانت ضمن وفد الإسلام في "سفينة إبن خلدون" الذي قرَّر الإبحار بالحليب والدواء إلى أطفال العراق... وقد تَعَرَّضَتْ للضرب مع عشرات المُبدعات...

ورغم كل المعارك التي خاضتها فاطمة لم يستطع اليأس أن يُهبِط من عزيمتها. فالحب والتسامح والأمل كان مبدأها، فخرجتْ منتصرة وفرضَتْ وجودها كشاعرة ذائعة الصيت...

"حين أكتب القصيدة فأنا أغفر للآخرين، أنا لا أكره أحداً ولا أحقد على أحد، ورغم كل ما واجهته من صعاب، ما زلتُ أتمتَّعُ بما يكفيني من السعادة والإطمئنان والقناعة والرضى..."

وهذه بعض من أبيات شِعرها: 

لا بأسَ إنْ عَصَفَ الزمانُ بواحتي                وَتَكَسَّرَتْ روحي على أغصاني

لا بأسَ إنْ طَرَدَ المكانُ شهامتي                 لأَلوذَ  من سجني إلى سجَّاني

لا بأسَ إن قامَتْ عليَّ قيامَتي                 وَنَجَوْتُ مٍنْ نفسي إلى الشَّيْطَانِ 

وطني الشقيُّ مِنَ الوريدِ عَشِقْتُهُ                 حتّى الوريدِ حَفِظْتُهُ فَرَماني

فُرِضَ الرَّحيلُ إلى مَراتِعِ  غُرْبَتي                ما أصعبَ التشريدَ في أوطاني

قَدَري الغريبُ فَليْسَ لي أهلٌ ولا                 أَبَوانِ أو ما يَقْتَضي عِصياني

أبداً ولا وطنٌ أَحِنُّ لفَقْدِهِ                        إِذْ  إنَّهُ السرطانُ في جثماني

فُرِضَ الرَّحيلُ فَإِنْ وَصَلْتُ محطَّتي              أَجلِسُ على ذُلِّ الرَّصيف مكاني

هذا جزءٌ من قصَّة هذه الأديبة والشاعرة، والتي تستحِّق أن نتكلَّمَ عنها الكثير، لذا سنتابع الحديث عنها في المرَّة القادمة فانتظرونا!!

الحياة, الحب, التسامح, الحزن, اليأس, الناس, فاطمة العشبي

  • عدد الزيارات: 3915