Skip to main content

طفولتها المؤلِمة ألهمتها

طفولتها المؤلِمة ألهمتها

في الثانية عشر من العمر... من اقلية عرقية في العراق وايران... هروبا في المركب... الى استراليا... ومن لغة العيون الى منظمة تدير نشاطات للأطفال اللاجئين من جنسيات مختلفة..... 

بيتا جيزان فتاة مندائية (أقلية عرقية من العراق وإيران) تركتْ بلادها (إيران) بسبب ما عانته من القمع والإضطهاد الديني… 

لم تجد بيتا في طفولتها إلا مجتمعاً مغلقاً لم تستطع فيه التعبير عن ذاتها، لذا قررتْ الهروب مع شقيقها الأصغر عام ٢٠٠٠ عن طريق البحر. ركبت مع أخيها وأشخاص آخرين أمواج المغامرة، حيث حملهم قارب صغير نحو إندونيسيا… خيار صعب… لكنه الباب الوحيد المفتوح أمامهم بما يحمل من ويلات ومخاطر! 

وتقول بيتا: "كنت يومها في الثانية عشر من عمري، وكنتُ على يقين بأن الرحلة ستكون باتجاه واحد والعودة غير ممكنة… 

كانت المعاناة مرهقة على متن ذلك القارب المتهالك في عرض البحر… صورة النساء والأطفال على وجه الخصوص لا تفارق مخيلتي حتى بعد مرور سنوات طويلة، وحتى بعد إستقراري في أستراليا… وبدل أن أحمل معي ذكريات الطفولة الجميلة من فرح ومرح...... حملتُ الذكريات المؤلمة التي قضيتها في التشرُّد والتنقُّل من بلدٍ إلى آخر. 

وصلتُ مع شقيقي إلى الشواطىء الأسترالية حيث ظننتُ أنَّ المرحلة الصعبة قد إنتهت إلى غير رجعة، وأنَّ رحلة العذاب ستتبدَّل وسيُفتـحُ لي باب الحريَّة… 

لكنني صُدِمتُ حين قامت السلطات باعتقالنا، حيث فصلوني عن أخي....  

وُضعنا في مركز للإحتجاز يقع في الصحراء، يحيط به سياج يعلو ١٠ أمتار، ويفتقر إلى جميع وسائل الرفاهية… 

بقيتُ هناك سبعة أشهر… 

المكان أشبه بالسجن الكبير، وهو مليء بالأطفال والنساء الذين عانوا مثلي من الحروب والصعوبات والمضايقات، وقد بدَتْ آثارها في نفوسهم وانعكست على تصرفاتهم…  

رأيتُ الأمهات لا يأبهنَ بمعاناة أطفالهن الذين لم يتجاوزوا الخمس سنوات… كان همُّهنَّ الوحيد تأمين المأكل والمشرب لهم…  

أما الجانب النفسي فلا أهمية له عندهن… 

وفكرتُ أنه يجب عليَّ لفتَ إنتباه هؤلاء الأمهات بأنَّ أطفالهنَّ بحاجة إلى دعم معنوي كي يتجاوزوا إختبار التجارب الصعبة والظروف القاسية التي مرّوا بها…  

لكنني رأيتُ أنَّ الأمهات مقتنعات بأنَّ أطفالهن هم أكثر قدرة على التأقلم وتجاوز تلك المرحلة الصعبة… 

ومع قناعتي بأنَّ هذا الإعتقاد السائد هو جهل وخطأ فادح ترتكبه الأمهات بحقِّ أطفالهن، وأنَّ الأثر المُدَمِّر على نفسيَّة هؤلاء الأطفال واضحٌ جداً… قرَّرْتُ مساعدتهم… 

بدأتُ أجمع الأمهات وأشرح لهنَّ كيفية التواصل مع أطفالهنَّ عن طريق اللعب… 

أقنعتهنَّ بأننا بحاجة لمعالجة الضرر الذي لحق بنفوس الأطفال من خلال القيام بنشاطات بسيطة ممتعة لا تُكلِّف شيئاً…ومن حقِّ الطفل أن يلعب… فاللعب عنوان الطفولة…" 

بدأت بتقسيم الأمهات والأطفال إلى مجموعات،  

"وشرحتُ لهنَّ بأن هذه الألعاب تعتمد على التواصل النظري (لغة العيون) والتواصل الفكري والتواصل الجسدي…  

شرحتُ لهنَّ كيفية النظر في عيون الأطفال ومحاولة فهم ما يدور في أذهانهم،  

بالإضافة إلى التلامس الجسدي بينهم…  

إنها الخطة لنجاح اللعب… وهذا ما يجعل اللعبة أكثر حماساً… 

كنت أقول لهم إنَّ هذه الساعات القصيرة هي التي تصنع تغييراً كبيراً، وتغيِّر حياتهم نحو الأفضل، وهي التي تصنع كل الفرق في حياة أولادكم في المراحل اللاحقة…" 

واليوم توصَّلت بيتا وبمساعدة مجموعة من المندائيين إلى تأسيس لجان لإدارة منظمة SMA في سيدني / أستراليا. 

 وهذه المنظمة تدير نشاطات للأطفال اللاجئين من جنسيات مختلفة، وتشمل العديد من الرياضات الترفيهية والنشاطات التثقيفية والرياضات البدنية وغيرها…  

وتضم هذه المنظمة أكثر من مئة متطوِّع، وتمتلك قاعة للتواصل والإجتماعات إلى جانب مكاتب ومطبخ حديث… وهي تُصدر مجلة شهرية وتعقد مؤتمرات للعائلات المندائيَّة. 

وهكذا نشأت روابط إجتماعية متينة بين الأجيال من خلال مجموعات اللعب هذه!! 

وتتابع بيتا لتقول:  

"بدأ المشروع بالعمل مع النساء المتنوعات ثقافياً ولغوياً… لدينا مجموعات تضم أكثر من ٣٠٠ سيِّدة، جميعهن يشاركن في أحاديث متعددة، وهذه المجموعات شاركت على أرض ٢٦ ملعب وهي تضم ١٠ مجموعات ثقافية… وأظن أننا بحاجة للمزيد من الملاعب حولنا… 

هدفي الأول هو إحداث مشروع لمنع العنف وإزالة آثاره من خلال مجموعات اللعب… وهذا ليس بالأمر المستحيل… 

طفولتي المؤلمة ألهمتني بأن أحقق هذا…" 

الصعوبات, الطفولة, الاضطهاد, الحروب, التواصل, الذكريات, العراق

  • عدد الزيارات: 956