Skip to main content

النّجاح.. رغم كلّ الظّروف

النّجاح.. رغم كلّ الظّروف 

كان اسمنا "ولاد الزّبّال"! كانت هذه الكلمة تذبح والدي أكثر منا... ولكننا لم ننسَ فضله علينا.. وعمرنا لم نخجل من عمله...  

‏"بنت الزبّال"، هكذا كان اسمي في المدرسة، تقول أستاذة طب الأعصاب، الدكتورة رولا الأبيض.... 

 وفي شارع بيتنا.. وفي كل مكان. نسوا اسمي.. وأصبحوا يطلقون عليّ اسم "بنت الزبال"! 

‏أبي كان عامل في البلدية.. وكان بيتنا بسيطًا... لم نكن نأكل زبالة، مثل ما كانوا يعتقدون... كنّا عائلة مثل أيّ عائلة.. نطبخ، ونسهر، ونضحك معًا... ‏3 صبيان و 2 بنات.. وأنا أكبرهم. 

‏لم ينتبهوا لشطارتي وتفوّقي في المدرسة... فقط لأنّني "بنت الزّبال"...  

في الفصل، القليل منهم من كان يكلّمني.. والأغلبية كانوا يخجلون من الجلوس معي.. أو ربّما كانوا يقرفون منّي.. معتقدين أنّنا لا نستحمّ.. و"رائحتي زبالة"! 

‏ولمّا سألتني المعلمة "ماهو حلمك عندما تكبرين؟"  

أجابتها طالبة "حلمها أن تلمّ الزّبالة"... وضحكوا كلّهم منّي... لكنّني بكيت بحرقة. 

ضمّتني معلّمتي إلى صدرها... وهمست بأذني "لا تزعلي، ‏ولا تخجلي من عمل والدك.. فوالدي كان يعمل حارس عمارة، ‏ويشطف الدّرج، ويلمّ الثّياب القديمة ونلبسها ونفرح بها أيضًا.. كوني قوية!" 

‏نعم... سوف أكون قويّة... هكذا قرّرت... لن أضعف.. ولن أدع أحد يضحك عليّ! 

‏علّمت أخواتي أن يكونوا أقوى منّي... علّمتهم أنّه يجب ألّا نضعف.. وألّا نسمح للزّمن أن يكسرنا. 

‏مرّت سنوات طويلة... ونجحت بالبكالوريا...  

تفوقت.. ودخلت كلّيّة الطّب... تغيّر الوضع،  

وأصبح الجميع ينادون: جاءت الدّكتورة، وذهبت الدّكتورة . 

شعرت أنّني أطير... فرحت بنفسي وكأنّني كسرت كلّ شيء كان يقهرني ويحززني...  

جميع من ضحك عليّ، احتاجني.. والله يعلم، أنّني لم أقصّر بحق أحد منهم. 

‏كبرت.. وكبر إخوتي... تغيّرت الأحوال.. وأبي لم يعد في حاجة إلى العمل.. غيّرنا بيتنا إلى بيت أكبر.. ونحن يد واحدة. 

‏إخوتي الشباب، اثنان منهم مهندسان.. والثّالث، يدرس طبّ الأسنان.. وأختي تدرس في كلّيّة الصّيدلة... 

تزوجّت.. وأصبحت أمًّا لولدين.. وإخواتي منهم مخطوب ومنهم متزوج... وفّقهم الله وأسعدهم... 

ولكن.. مستحيل أن ننسى أنّه بيوم من الأيّام كان اسمنا "ولاد الزّبّال"! 

كانت هذه الكلمة تذبح والدي أكثر منا... ولكننا لم ننسَ فضله علينا.. وعمرنا لم نخجل من عمله...  

المهمّ أنّه ربّانا عاللّقمة الحلال، والقلب الحنون.... وكما ذكرت سابقا جميع من ضحك عليّ، احتاجني.. والله يعلم، أنّني لم أقصّر بحق أحد منهم. 

علموا أولادكم الاجتهاد، وأن يكونوا حناين.. حتّى لا تقسى قلوبهم إذا الزّمن قاس! 

النجاح, الاحترام, التصميم, الإرادة, الطموح, المثابرة , العمل الجاد

  • عدد الزيارات: 1218