أمراض الرفاهية

كنا نلعب أنا واخوتي ووالدي كرة الطاولة (البنج بونج) على طاولة الطعام، والتي ربما كانت والدتي تغضب من أصواتنا ولكن الحقيقة أن

تلك الطاولة الصغيرة تركت لي صرحا من الذكريات الجميلة...

إرتبطت كلمة الرياضة عند كثير من الناس وكأنها رفاهية لا يحتاج إليها إلا الشريحة المرفهة والراقية من المجتمع، أو أنها كلمة ذكورية، إلا أننا الآن نتحدث عن أمر بالغ في الأهمية وهو أن الصحة البدنية والنفسية تتأثران بشكل مباشر بالرياضة التي نقوم بها.

وتأتي أهمية النشاط الرياضي في المحافظة على الصحة ورفع مستوى اللياقة البدنية، ولكن المشكلة حينما لا نمارس النشاط الرياضي. ماذا يمكن أن يحصل في زمن إنتشرت فيه وسائل الراحة والرفاهية؟

هذا ما يمكن أن نطلق عليه "أمراض الرفاهية"

أحيانا نتذكر آباءنا وأجدادنا وما كان لهم من قدرة على الحركة وإنجاز المهام الصعبة والمشي لفترات طويلة دون أن يكلوا أو يتعبوا، بينما يعاني شبابنا الآن الشعور الدائم بالإرهاق مع قلة المجهود.

وأعتقد أن الأمر يعود إلى أن أجدادنا كانوا يمارسون الرياضة بالسليقة، بالأعمال اليومية التي كان عليهم أن يقوموا بها، فلو ألقينا نظرة للوراء وتذكرنا مثلا بيوت أجدادنا، كانت من دون أجهزة متطورة ولا مواقد ولا حتى كهرباء، فكم من الوقت كانت تصرف الجدة حتى تقوم بغسل الثياب من دون غسالة. أو إتمام طهي الطعام من دون مطبخ مجهز، والسير كل يوم لشراء الإحتياجات والقيام بمستلزمات الحياة من دون سيارة خاصة.

الأمر بالنسبة لهم كان طبيعيا، إعتادت اجسادهم على القيام به، فكان لهم رياضة يومية دون أن يشعروا، إكتسبت أجسادهم لياقة وقدرة لا يملكها الكثير من شباب اليوم.

وفي ظل الثورة التكنولوجية والتقدم في إيجاد وسائل الرفاهية في كل شيء حتى أدق الأمور، إستحدث مرض يسمى "مرض الرفاهية". ولكي  نتجنب الوقوع في هذا المرض علينا أن نمارس الرياضة الإختيارية التي تناسبنا وفي المكان الذي تسمح لنا بـه ظروفنا.

وليس ضرورياً أن تكون ممارسة الرياضة في أحد الأندية المكلفة أو الأماكن التي ربما يصعب على بعضنا الذهاب اليها، بل إننا نستطيع أن نوجد لأنفسنا ولأولادنا الرياضة التي نحبها بأبسط الحلول والتكاليف.

فانا أتذكر حين كنا نلعب أنا وأخوتي ووالدي كرة الطاولة (البنج بونج) على طاولة الطعام، والتي ربما كانت والدتي تغضب من أصواتنا ولكن الحقيقة أن تلك الطاولة الصغيرة تركت لي صرحا من الذكريات الجميلة التي يصعب علي نسيانها، إنها كانت لي بمثابة رياضة جسدية لتنشيط الجسد، ورياضة روحية نُـخرج فيها طاقاتنا ونكتشف مواهبنا، كما أنها كانت أيضا رياضة تـُوطِّدْ وتـَدعَمُ الرابط الأسري بيننا، إنها ذكرى كاملة تحمل في طياتها جمالا.