Skip to main content

نوال و الوحدة

أمـَـرُّ وأصعب حالات الوحدة هو الإحساس بالوحدة في الداخل في أعماق النفس رغم التواجد مع الجماعة.......

 هذا ما مررت به أنا وأسرتي إبان غزو صدام للكويت.......

أمـَـرُّ وأصعب حالات الوحدة هو الإحساس بالوحدة في الداخل في أعماق النفس رغم التواجد مع الجماعة.......

 هذا ما مررت به أنا وأسرتي إبان غزو صدام للكويت.......

أتينا لسورية ومكثنا عندالأهل إذ لم يكن عندنا بيت، أتينا من الكويت قسراً وليس اختياراً فلم يكن اختيارنا أن نترك الكويت فالحنين اليها ملأ الأحشاء، خصوصاً أنا وابنتي الكبرى على أمل أنه وضع مؤقت وسينتهي ونعود لحياتنا وسعادتنا لكن توقعاتنا باءت بالفشل، وطال الانتظار، مع أني كنت في وطني لكني كنت غريبة عنه ، كنت بين أهلي لكني شعرت بأني بعيدة ، متطفلة، ثقيلة ومتسولة لا مكان لها وتعيش عالة على أهلها، مع أنني كنت أغدق الهدايا والأموال والدعم والمساعدات للقريب والبعيد وكله ذهب هباء وأدراج الرياح.

أصبحت كالمتسولة في كنف الأهل . أنا معهم لكن لا أسمع مايقولون ، في وسطهم لكن ضائعة  لا أفهم كلامهم ولا أفقه ألفاظهم، ضبابية غلفتني أو غلفتهم لا أدري . أشعر وكأنني في برية أو غابة تائهة ضائعة مرمية لا لغة مشتركة ولا فكر مشترك، أنا باتجاه وهم بآخر. أنا همي أولادي ومدارسهم والمنهج الغريب والمكان البارد، وهم همهم السؤال أمامي وحال أحيد ناظري :إلى متى ؟ وماذا سيحصل؟وووووو.

 

بؤسٌ وعلقمٌ ومرارة أنا في همي.... وهم في المريخ. هذا الشعور مميت وحيدة مع الدموع والانتظار والتوقع  والكآبة. وهكذا الأولاد لكنهم صمموا على النجاح والتفوق، يحدوهم الأمل بالعودة لحياتهم الطبيعية مرددين : رُدَني إلى بلادي. وهكذا كان.....

عدنا بعد سنتين للوطن للكويت الحبيب لكن القدر كان لنا بالمرصاد، صدام استعمل سياسة الأرض المحروقة وحرق آبار البترول وتلوث الجو لمدة عام كامل وهذا ما سبب لزوجي ولآخـرين سرطان في البلعوم..... وعدنا للمعاناة والمرارة والأطباء والعلاج المؤلم، حياة ممزوجة بجراح ودموع وغصّات وأنات.....

وانتقل زوجي الحبيب ليكون مع الرب.....

وهكذا عدنا وأيضاً قسراً الى سورية ، ولكن هذه المرة أنا ملكة متشحة بالسواد لكنني مكتفية ولست محتاجة.وأولادي ناجحون والأهم لنا بيتنا الخاص ولنا استقلاليتنا بعيدين كل البعد عن نظرات الآخرين المريبة .

 

والآن شاء الله او شاء الأولاد لست أدري ...وقرروا السفر الى خارج الوطن.... وعادت ظلال الوحدة تخيم علي وتلفني...هو الحضن الفارغ أو سـمه العش الفارغ الذي طارت منه العصافير وأصبح المنزل فارغاً هادئاً ساكناً موحشاً. غرفهم، أسـرّتهم، صورهم ،العابهم ، البيانو، الغيتار بقايا ثيابهم  لا تزال أصواتهم في أذني.

ماما ....ما زالت تئن وترن بأذني .... أسير ذهاباً وإياباً أتلمس وأقبــّل بقاياهم كما قال نزار قباني :وفي الزوايا بقايا من بقاياه. صورهم كتاباتهم ورسوماتهم وأشغالهم اليدوية 

وذكريات إبني على جدران غرفته مع تواقيع رفاقه وهداياهم ، كلها أجراس تدق  على مسامعي ألحان ألـمٍ موجعٍ. ما أمرّ الفراق والبعاد والوداع.....  هي الوحدة وأنا لم أشأ أن أكون أنانية وأبقيهم بقربي ضد رغبتهم فكان الثمن غالياً......

 

 لكن إلى متى؟ وهل أستسلم؟ وأنا عندي ملكة الكتابة وموهبة البحث والأداء الجيد...... سأنطلق بإذن الله....

وانخرطت في المجتمع التقي  والخدمة بين السيدات لملء الفراغ وإفادة الآخرين، لأكون قناة موصلة..... أوصل السلام للجميع ......

 

 خدمتي ملأت الفراغ وسددت الاحتياج ومسحت الدموع..... هو الله!!!

أدركت أن الكل يسافر لكن ربي الصديق الألصق من الأخ لا ولن يتركني وحيدة...

لا أحد يملأ فراغ القلب إلاّ هو.... هو مالك قوى عقلي وفكري وكل كياني....

هو أنيس وحدتي....

يرفع نفسي ويسند ضعفي...ويبلسم جراحي.....

.....نوال....

الوحدة, حرب, نوال, الله

  • عدد الزيارات: 2904