Skip to main content

الإساءة، الكراهية، كثرة الإنتقاد 1

الإساءة... الكراهية... كثرة الإنتقاد 1

لا يجمعني شيءٌ مُشتَرَكٌ واحدٌ مع هؤلاء الأشخاص الخبثاء... ففي حين أنَّهم سيِّئون، ظنَنْتُ بأنني كُنتُ بحالٍ أفضل جداً، وتلك كانت نهاية القصة... لكن...

لماذا أشعر بالأسف تجاه الأشخاص الذين يسيئون إلى الآخرين أو يكرهونهم، أو يوجِّهون لهم الإنتقادات المتكرِّرة؟؟

في بعض الأحيان لا أستطيع فهم "الخُبث" الموجود في هذا العالم. فهناك خُبثٌ في المدرسة وعبر الإنترنيت، خُبثٌ بين الأعداء، وخُبثٌ بين الأصدقاء. هذه جميعها قد تهدِّد الأمل في الإنسانية عندما نفكِّر بها، ونضعها ضمن إطارٍ واحد.

وقد ظنَنْتُ ولمدةٍ ليست بقصيرة أنَّه لا يجمعني شيءٌ مُشتَرَكٌ واحدٌ مع هؤلاء الأشخاص الخبثاء... ففي حين أنَّهم سيِّئون، ظنَنْتُ بأنني كُنتُ بحالٍ أفضل جداً، وتلك كانت نهاية القصة... لكن ومع مرور الوقت، وبالوصول إلى درجةٍ معيَّنة من النضج والإدراك، أصبح لديَّ الفهم والإقتناع بأنه ما من أحدٍ صالحٍ مئة بالمئة، أو شريرٍ مئة بالمئة أيضاً. فنحن جميعنا لدينا شيئاً من الصلاح والشر، مجتمعُ خطاةٍ في عالمٍ ساقط ومحطَّم. 

هؤلاء الأشخاص الذين يوجِّهون الإساءة للبعض، أو يكرهون بسببٍ أو بغير سبب، أو ينتقدون بشكلٍ متكرِّر، هم أناسٌ عاديّون، لديهم مشاعر وعواطف مثلنا. ولا بد أن لديهم قصصاً خلفيَّة التي تساعد في شرح السبب الذي دفع بهم إلى هذه "الحقارة"... إن جاز التعبير... كما أنَّ هناك أيضاً ألماً دفيناً من الماضي، دفع بهم للوصول إلى هذه النقطة، حيث يظنون بأنَّ فِعلتهم مُبَرَّرة وقولهم مَسوغ. 

لذا، وعندما أسمعُ – هذه الأيام – كلاماً فارغاً، أو أشاهد عملاً وحشياً، أتساءل عن خلفيَّة  واقع قصة حياة ذلك الشخص الشرير. وأتعجَّب أيضاً مما حصل معه حتى أصبح سيّٓئاً، أو كارهاً، أو كثير الإنتقاد. لأنه ما من أحد يصل إلى هذا المستوى الحقير بشكلٍ عشوائي. وما من أحد يستيقظ صباحاً في يومٍ ما، ويقرِّر أن يختار نمط حياة سلبيٍ للمتعة فقط. 

فالأشخاص المجروحون يجرحون الآخرين، وعندما يُلحِق أحدهم الأذيَّة بشخصٍ آخر، فهذه علامة ومحاولة يائسة للتخلّص من الشعور السلبي الموجود بداخله. 

وللأسف، فإنَّ الإضطراب الداخلي الذي يبدأ لدى شخصٍ ما، لا بد أن يؤثِّر على الآخرين في النهاية. وكما يقول المثل القديم،

"يصرخ الرئيس على الرجل، ويذهب الرجل إلى بيته ويصرخ على زوجته، والزوجة تصرخ على الولد، والولد يرفس الكلب". وإلى أن يكسر أحدهم الدوّامة، فإنَّ الإساءة سوف تستمر وتنتقل وتمتد. 

لم أكن أشعر سوى بالغضب الشديد تجاه هؤلاء الذين يُسبِّبون الأذى، ويُظهِرون الكراهية، ويتصرَّفون بخُبث، ويوجِّهون الإنتقادات. لكن الآن، فإنَّ جزءاً كبيراً من كياني يحزن من أجلهم. فالذي يخرج من الشخص، يعكس ما في داخله، وكما يقول الكتاب المقدَّس،

"فإنَّه من فضلة القلب يتكلَّم الفمّ. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرِج الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرِج الشرور".  متى ١٢: ٣٤و٣٥

لذا عندما يُمضي أحدهم حياته بالتفتيش عن شيءٍ يسحقُه أو يضربه بعنف، ويرفض أن يرى الأشياء الحسنة في الآخرين، فهذا إنما يفسِّر ما في داخله. 

تخيَّلوا العيش في سجنٍ عقلي بما يحتويه من كراهية للذات، وحديث النفس الشرير...

تخيّٓلوا أنه لا مفرَّ من الخُبث لأنك لا تستطيع أن تهرب من ذاتك. 

يقول الكتاب المقدَّس عن هذا الموضوع:

"لأنَّه من الداخِلْ من قلوب الناس تخرج الأفكار الشرِّيرة، زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خُبثْ، مَكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتُنَجِّس قلب الإنسان". مرقس ٧: ٢١-٢٣

إنَّ إبليس هو مصدر كل هذه الشرور، فإما أن نفسح له المجال لكي يحرِّك فينا هذه الشرور، أو أننا نلتجيء إلى الله الذي هو مصدر كل خيرٍ وصلاح.

ويعلمنا الكتاب المقدَّس أيضاً كيف نتصرَّف في حالٍ كهذه فيقول:

"فاخضعوا لله. قاوموا إبليس فيهرب منكم. إقتربوا إلى الله فيتقرب إليكم... إتَّضعوا قدّام الرب فيرفعكم". يعقوب ٤: ٧-٨-١٠

وسنتابع الحديث عن هذا الموضوع في مقالٍ لاحق بإذن الله. 

العالم, الكراهية, الأشخاص, الإساءة, الإنتقاد, الأصدقاء, الخبث

  • عدد الزيارات: 3153