Skip to main content

كانت خاطئة

الضمير ينتفض في الحنايا. الشّرّ يسرق الأحلام. الخطيئة تعصر الفؤاد فتُدميه. والتوبة تطلّ برأسها من بين الغيمات.

دخلت وعلى كتفيها هموم الدُّنيا وغبار الأيام... صبيّة عضّها الحزن بنابه، وأدمت الخطيئة النّفس منها... أضحت كورقة الخريف، وهي التي أشرقت كلّ السنين الماضيّة، أشرقت وملأت العالم تغريدًا وغناءً... ورذيلة!!!

كانت الغشاوة تُغلِّف العينين.

كانت الخطيّة تُحنِّط الضمير.

وكانت الشهوة تلوّث الحياة.

زلّت قدمها مرّةً، وزلّت أخرى، وعشقت الزلل، فأكلتها العيون، ولاكتها الألسن، وسحقها جبروت العوز.

ولكن صوت الله عاد يناديها... ولطالما قرع على شغاف قلبها، قرع بصمت وانتظر، فلم تفتح له ولم تسمع، ولم تعره إنتباهًا، بل نفرت بغنج وهي تقول: "بعدين" "بعدين".

ولكن هذه المرّة كان الأمر مختلفًا، فالقارع يجلس هناك، بل هنا، على رِمية حجر.

يجلس وفيه يتجلّى الحُبّ وكل المعاني السّاميّة.

يجلس في بيت سمعان الفرّيسيّ الذي حدجها هذا السمعان أكثر من مرة بنظراتٍ فيها الكثير من الإحتقار، والشهوة، والتعالي الأجوف.

دخلت وعيونها تنزرع في الأرض، ودموعها تُغسّل الخدّينِ.

دخلت والأمل يملأ الأرجاء، والعطر النردينيّ، يفوح من قارورة جميلة.

دخلت وجلست عند قدميّ الخزّاف الأعظم، مُغبّر القدمين بغبار الجليل والسامرة واليهودية والأودية والتلال.

جلست عند أقدامه، وسكبت الطِّيب الفوّاح، وقبّلت بشغف أقدام الربّ، أقدام صانع الحياة، ومسحته بشعرها ودموعها وأحاسيسها.

وكأنها تقول "قد لا أكون بعد أيام حين تُعلّق لأجلي بين السماء والأرض، لذلك ها هي تقدمتي"

جلست والدّموع تقول كلّ شيء؛ تقول: إرحمني، طهّرني، غسّلني من الأدران، أرفعني إلى فوق، إلى العلاء.

لم تتلفّظ ببنت شفة.

ولكنها قالت كلّ شيء.

وضحك سمعان الفريسيّ، ضحك في سرّه... إنّها خاطئة يا يسوع، يا مُعلّم، خاطئة .

أين حدسك؟ أين اللامحدودية عندك؟ أين قراءة الأفكار قبل أن تحبل بها العقول؟!

وجاء الصّوت مباغتًا هادرا: "يا سمعان عندي شيء أقوله لك".

وبُهت سمعان، كما بهت كلّ سمعان وكلّ بشر، فهذا السيّد على بيّنة من خواطره وأفكاره.

اصمت أيها الفكر الأرعن، لا تتماد أكثر، إنكمش وتقوقع... صرخ سمعان، فالسيّد يعرف كلّ شيء، ويقدر على كلّ شيء... فضحتنا!!!

وخرجت... إمرأة جديدة، ترفل بالطّهارة، وتميد بالقداسة، والفرح يأخذ منها مأخذًا، فيسوع قد غمرها بحنانه، ومسح دموعها، وعلّق على الخشبة خطاياها.

خرجت بقارورة عطر فارغة، وقلبٍ مُترع بشذا المحبّة.

خرجت شامخةً، مرفوعة الرأس، تنظر إلى البعيد...

إلى هناك... إلى الصّليب.

بقلم: زهير دعيم

الحزن, التوبة , الضمير, زهير دعيم, الشّرّ, الخطيئة, الحُبّ, الطّهارة, كانت خاطئة, Was wrong

  • عدد الزيارات: 3390