الطمع
كم يحتاج المرء من مساحةٍ على هذه اليابسة؟
كان أحد المزارعين يعمل عملاً مضنياً لكي يؤمن معيشة عائلته ولم يكن يملك شبراً واحداً من الأراضي.
وفكر في نفسه قائلاً، "لو أنني أملك أراضٍ كثيرة فما كنت لأخشى الشيطان نفسه."
كم يحتاج المرء من مساحةٍ على هذه اليابسة؟
كان أحد المزارعين يعمل عملاً مضنياً لكي يؤمن معيشة عائلته ولم يكن يملك شبراً واحداً من الأراضي.
وفكر في نفسه قائلاً، "لو أنني أملك أراضٍ كثيرة فما كنت لأخشى الشيطان نفسه."
بالقرب من القرية التي يعيش فيها هذا المزارع تعيش سيدة تملك قطعة أرض صغيرة. وشاعت الأخبار أنَّ تلك السيدة تريد أن تبيع قطعة الأرض التي تملكها، لكن المزارع لم يكن يملك المال الكافي وكان لديه شعورٌ بالحسد إن اشتراها أحدٌ آخر... فما كان منه إلا أن استدان بعض المال وذهب إلى السيدة ودفع لها نصف الثمن كدفعةٍ أولى، ووعدها بدفع المال المتبقي خلال سنتين.
وهكذا فقد أصبح لدى المزارع أرضاً خاصةً به، فاقترض بعض الحبوب وبذرها في تلك الأرض. وجاء موسم الحصاد وكان موسماً جيِّداً، وفي غضون سنةٍ واحدة تمكن من سداد كل ديونه.
وكان قلبه يرقص فرحاً حين يذهب للحراثة، أو لجمع محصوله، أو لينظر مروجه الخضراء.
وكان هذا المزارع راضياً تماماً إذ أنَّ زرعه ينمو جيِّداً... لكنه كان غاضباً من جيرانه...!
وفي أحد الأيام سمع المزارع عن مكان أفضل حيث بإمكانه أن يسعد جداً... فما كان منه إلا أن باع أرضه واشترى أرضاً جديدةً بالمال الذي حصل عليه. وحالما وصل المزارع برفقة عائلته إلى المكان الجديد بدأ بتشييد المباني التي يحتاجها، واشترى قطعاناً من الماشية. وهكذا أصبح أفضل مما كان عليه بعشرات المرات.
وبعد مرور الزمن... اعتاد على ذلك، وراودته الأفكار التي تقول أن كل ما لديه من الأراضي لا يكفي. وتابع العمل لمدة ثلاث سنوات، يستأجر الأراضي ويزرع القمح. بعدها بدأ بالبحث عن الأراضي التي بإمكانه شراؤها. وجاءه بائع ليخبره عن أراضٍ بعيدة جداً، حيث يمكنه شراء ثلاثة عشر ألف فدان من الأراضي مقابل 1000 روبل. وقال "كل ما عليك فعله هو أن تكون صديقاً للحاكم." وهكذا بدأ المزارع يتحضَّر للذهاب إلى هناك بنفسه. وقد استغرق منه الأمر سبعة أيام لكي يصل إلى ذلك المكان، حيث وجد الناس يعيشون في السهول الواسعة الخالية من الأشجار، بالقرب من النهر، في خيام مغطاة باللباد. وكانوا جميعاً يتمتعون ببنية قوية وسعداء، ولا يقومون بأي عمل مطلقاً طيلة فصل الصيف.
"وأكثر ما نال إعجابي هنا" قال المزارع "هي أرضك." فأجابه الحاكم، "إختر قطعة الأرض التي تعجبك... فلدينا الكثير من الأراضي."
"وكيف لي أن أحصل على الأرض التي أريد؟ وكم سيكون الثمن؟" سأل المزارع.
"إنَّ الثمن الذي نريده هو نفسه: ألف روبل يومياً."
"يومياً؟ وما هو المقياس لهذا؟ وكم فداناً يساوي هذا؟"
"نحن نبيعها باليوم... المساحة التي تطأها قدماك خلال النهار تكون لك، والثمن هو ألف روبل يومياً."
"لكنك تستطيع أن تطأ حقلاً كبيراً جداً في اليوم الواحد." قال المزارع.
وهنا ضحك الحاكم…
"سيكون بكامله لك!" قال الحاكم. "إلا في حالةٍ واحدة: إن لم ترجع إلى النقطة ذاتها التي انطلقت منها وفي نفس اليوم، عندها تخسر أموالك."
"لكن كيف لي أن أعلم الطريق التي مشيتُ عليها؟"
"حسناً، سوف نقصد البقعة التي تراها مناسبة ونبقى فيها. وعليك أن تبدأ جولتك من تلك البقعة وتأخذ معك مجرفة. وحيث ترى أنه من الضرورة وضع علامة، ضع هناك علامة. واحفر حفرة عند كل منعطف وضع كومةً من التراب على العشب. ومن ثم سوف تجتاز من فجوة إلى فجوة مع المجرفة. بإمكانك أن تجرف دائرياً المساحة التي ترضيك، لكن عليك أن تعود إلى النقطة التي انطلقت منها قبيل غروب الشمس والمساحة التي تطأها قدماك تكون بكاملها لك."
وابتدأ المزارع بالمشي لا ببطء ولا بسرعة. وبعد أن قطع مسافةً لا تقل عن آلاف الأذرع توقف وحفر حفرةً ووضع طبقةً وفوقها طبقة أخرى من الأعشاب لكي تظهر بوضوح، ثم تابع سيره. مشى بإصرار وعناد وزاد من سرعة سيره. وما لبث أن حفر حفرةً أخرى.
وتسارعت الأفكار في رأسه، "سوف أتابع وأمشي ثلاثة أميالٍ أخرى." ثم استدار ناحية الشمال. "وكلما مشى إلى حدٍ أبعد، كلما ظهرت الأراضي بصورةٍ أوضح." وتوقف... حفر حفرةً كبيرة إلى أن أنهكه التعب... وتطلَّع نحو الشمس فإذا به وقت الظهيرة.
"حسناً،" قال في نفسه "عليَّ أن آخذ قسطاً من الراحة."
جلس، وتناول بعض الخبز وشرب قليلاً من الماء، لكنه لم يستلقِ، ظناً منه أنه سيقع في سبات عميق. وبعد أن جلس قليلاً، تابع سيره. "ساعةً من المعاناة، وتعيش العمر سعيداً."
وقطع مسافةً طويلة، وكان على وشك الإستدارة نحو الشمال ثانية حين نظر فرأى حفرةً رطبة. وقال في نفسه: "من المؤسف أن أهمل هذه." وهكذا تجاوزالحفرة ووصل إلى الجهة المقابلة وحفر هناك.
"عليَّ أن اسرع الخطى الآن وأعود... عليَّ أن أمشي في خطٍ مستقيم. بودي أن أبتعد أكثر لكن كما يبدو فإنني قد حصلت على صفقةٍ رابحة من الأراضي." لكنه بدأ يمشي بصعوبة. كان يتوق لقليل من الراحة، لكن هذا مستحيل فهو قد عزم على العودة قبل غروب الشمس. "وماذا لو أنني تأخرت؟" لقد كانت مسيرة صعبة، لكنه تابع سيره بوتيرةٍ أسرع وأسرع ثم ابتدأ يركض... خلع حذاءه، معطفه، القارورة التي كانت بحوزته، وقبعته، واحتفظ بعصاه التي يستند عليها. "لقد استطعت الإمساك بالكثير، لكنني أفسدتُ المسألة بكاملها." هذه المخاوف حبست أنفاسه. فاستجمع ما تبقى له من قوة وسارع في الركض.
شارفت الشمس على المغيب، لكنه كان قريباً جداً من هدفه. وكان بإمكانه رؤية القبعة المصنوعة من فرو الثعلب موضوعةً على الأرض، والمال الموضوع عليها، وإلى جانبها الحاكم يجلس على الأرض متأبطاً ذراعيه. "هل سيسمح لي الله بالعيش عليها؟ لقد خسرت حياتي! ولن أصل إلى تلك البقعة. " وأخذ نفساً عميقاً، وانهارت قدماه، وسقط إلى الأمام حتى أنه لمس القبعة بيديه.
"آه يا له من زميل رائع!" صاح الحاكم. "لقد ربح الكثير من الأراضي!"
وأسرع خادمه لنجدته وحاول أن يرفعه، لكنه رأى الدم يخرج من فمه... لقد مات!!!
والتقط الخادم المجرفة وحفر قبراً يكفي لوضعه به، ودفنه هناك...
كل ما احتاجه هذا المزارع هو... ستة أقدام، من رأسه حتى أخمص قدميه!!!
المال, الزمن, الطمع, مزارع, الأرضٍ, الحبوب, الغاضب, الماشية, القمح, الحاكم, قوي, Greed
- عدد الزيارات: 3021