الازدواجية لغة الضعفاء
كانت الازدواجيّة - ازدواجيّة الأدوار والأعمال - إحدى سمات المُمثل الناجح قديماً، فقد كان المُمثلون
في العصور الماضية
كانت الازدواجيّة - ازدواجيّة الأدوار والأعمال - إحدى سمات المُمثل الناجح قديماً، فقد كان المُمثلون
في العصور الماضية ـ لعدم وجود التقدُّم المُذهل الذي أحدثته التكنولوجيا في مجالات الفنون في الحاضر ـ يرتدون وجوهاً مُستعارة تعبّر عن الأدوار التي يُمثّلونها. كان المُمثّل على سبيل المثال، يرتدي وجه أب في بداية المسرحية، ثم يعود ليخرج ثانية من وراء الكواليس وقد ارتدى وجه إبن أو جَدّ. وقد نرى آخراً يرتدي وجه لص، ثم يعود ليرتدي وجه ضابط أو قاضي!. وكان العبء الأكبر يقع على أداء المُمثل وحرفيّته، في الكيفية التي يقنع بها المُشاهد بصدق الأدوار المُتباينة التي يلعبها في دقائق معدودة!. ولكن، هذه الإزدواجية الإيجابية التي كانت فيما مضى فناً راقياً يظهر عبقرية صاحبها، هل لا تزال موجودة بيننا في هذا العصر؟ وهل تمارس بإيجابية؟ آلاف من الممثلين يعيشون بيننا، يبدعون الكذب بحرفيّة وإتقان، يزيّفون الحقائق وينتحلون الشخصيات ويكذبون على أنفسهم والناس كي يحققوا غاياتهم.
الازدواجيّة:
تُعرف بأنها لعب أدوار مُتعدّدة ومُتباينة بحسب الظروف والمواقف، أو بمعنى آخر التلوُّن كالحرباء وفقاً للبيئة التي نوجد فيها، لتحقيق غرض أو غاية ما. كذلك يمكنك القول بأنها إخفاء ما في الباطن وإظهار العكس للحصول على رضا الآخرين أو كسب موقف، أو هي كما نعرفها بالعامية الدارجة: "أن أكون بوجهين"، وفقاً لمقتضيات الحالة والظرف أو الموقف الذي أمر به.
هل هي خطأ أم صواب ولماذا؟
قد يعتقد البعض بأنه لا خطأ في أن يكون للمرء شخصيات مزدوجة، ويعتبرون الأمر مسألة تكيُّف مع مُتطلّبات الحياة. ولكن هذه ليست الحقيقة، فأنا حين أنكر مبادئي أو مُعتقداتي مُتعمِّداً، وأخفيها عن المحيطين بي بغرض تحقيق مكسب أو ربح مادي أو معنوي، ببساطة أكذب وأنافق وأوارب وأخدع. ولا يُمكن لأي أحد مهما كان، أن يقبل الخداع أو يبرره بأيّ حال أو تحت أيّ ظرف، وإلاّ حقّقنا المثل المرفوض "الغاية تبرّر الوسيلة". فكما أني لا أحبّ وأرفض أن يخدعني أحدهم أو يوارب معي ويُخفي عني اتجاهاته، كذلك أنا لا مُبرّر لي إن عملت هذا مع الآخرين.
بين الازدواجيّة والأدوار الحقيقيّة:
لكن هل الأدوار المتنوعة التي نلعبها في حياتنا تعتبر ازدواجية؟ بالطبع لا، فالحياة أعطتنا أدواراً كثيرة ومتنوعة وليس شخصيات، فكل منا هو في ذات الوقت التلميذ والابن والأخ وابن الخال أو العم، وإلى آخره من تصنيفات وأدوار تحددها أشكال العلاقات الإنسانية. الرَّجُل يُمكن أن يكون أباً وجدّاً وزوجاً ومُديراً ومُشيراً، وهي أدوار حقيقّية تلعبها الشخصية الواحدة التي تحمل في كيانها الإيمان والعقائد والأفكار ذاتها، وتفعِّلها من خلال الأدوار التي تعيشها مع الآخرين بكل وضوح وصدق وأمانة. وهذا الأمر يختلف تماماً عن تقمّص الإنسان لشخصية تختلف عن شخصيته وإظهار خلاف ما يُبطن.
لِما نرتدي الأقنعة؟
لِما نخاف أن نقول للآخرين من نحن؟ لأسباب كثيرة. لأننا نخجل من أنفسنا، نكره ذواتنا، نخشى رفض الناس لنا، نخاف خسارة من نحب، نُخفي خطأً ارتكبناه ونبرّر أنفسنا، نداري ضعفاً أو شعوراً بالنقص فندّعي بطولة مزيّفة وعَظَمة ليست فينا ..... إلخ.
والنتيجة:
الازدواجيّة لا تُعالج مشاكلنا ولا تُصلح عيوبنا. الازدواجية هروب متقن، بدلاً من مواجهة الواقع ومحاولة تغييره للأفضل. هي طريق لا يُؤدّي إلى شيء. أسلوب النعامة في دفن رأسها في التراب، ومنهج من يضع يديه على عينيه ويدّعي غياب الشمس في عزّ النهار.
كيف أهزم الازدواجيّة؟
أتعلّم الصراحة والأمانة والوضوح. أُمارس الشفافيّة والاستقامة مع نفسي أولاً ثم مع من حولي. أواجه نفسي بنقائصها وعيوبها، وأقيَّمها وأقوَّمها. أحيا حياة القلب المُوحّد المُستقيم غير المُنقسم. أقبل نفسي كما أنا بكل نقائصي وعيوبي. آتي إلى الله بكل ضعفاتي وأثق بأنّه يُحبُّني كما أنا، وقادر على مساعدتي لأتغيّر إلى الأفضل.
في الختام أدعوك إلى أن تكون نفسك وليس شخصاً آخر، عش الحياة التي منحك إياها الله، تمتّع بها، أحبب المحيطين بك، لا تخدعهم لتحصد الفرح والسلام وراحة البال.
- عدد الزيارات: 3823