كتب يتاريخ . نشر في أحداث

الغربة تخلو من الأحباب والعائلة

الغربة تخلو من الأحباب والعائلة

ستعرفين شعور الغربة عندما يختنق الإشتياق في حنجرتك وتبكي من غير سبب...

قالت لي صديقة مغتربة ذات يوم: "الغربة متل زوجة أب، ما بعمرا بتكون أمّك"...

لمن لا يعرف طعم الغربة... لمن يتوق للإبتعاد عن وطنه... صدّقوني، أنا كمغتربة سعيدة بغربتي... أتحدّث...

لا يوجد مكان كالوطن... ولا أعني بالوطن الأرض الجغرافيّة التي ولدت وعشت فيها...

بل الوطن هو الأهل والأصحاب... الأماكن والذّكريات... الفرح والبكاء... النّجاح والشّقاء...

 

تغرّبت وأنا سعيدة لأنني سأبتعد عن كلّ المعيقات التي كانت تؤثّر على حياتي... من عادات وتقاليد ونظرات المجتمع... ولكنّني، لم أدرك صعوبة الغربة... إلاّ عندما مرضت... ولم أجد من يعتني بي...

عندما حزنت... ولم أجد من أبكي على كتفه، أو أشكي له همومي...

عندما فرحت... و لم أجد من يخرج ليحتفل معي كما اعتدت أن أفعل مع أصدقائي...

 

لم تكن لديّ القدرة على إخبار أهلي كي لا يقلقوا...

أحسست بقسوة الغربة حينما رأيت الشّيب يغزو شعر أبي...

وحينما رأيت التّجاعيد على كفيّ أمّي...

شعرت بالزّمن يجري وأنا لم أكتفِ ولم أشبع من حضورهما بحياتي...

 

شعرت بالغربة حينما أنجبت طفلي الأوّل و لم أجد من يعينني، لا أختًا لتساندني ولا أمًّا لترشدني...

أحسست بالغربة كلّما تحدثّت مع أهلي ليروا حفيدهم بغصّة على شاشة الهاتف... بدلًا من ملاعبته، ومداعبته، ورؤيته يكبر كلّ يوم.. كما اعتدت من أجدادي أن يفعلوا معي...

فهل يوجد في هذا العالم دلال وحبّ كدلال الأجداد؟

 

لا يعني هذا أنّه لن تجدي الأصحاب في الغربة.. أو أن تعيشي بعزلة... لا،

ستخرجين لشرب أفخم أنواع القهوة في أجمل الأماكن... لكنّها لن تكون كرائحة قهوة الصّباح مع أمّك...

والأصدقاء الجدد، لن يكونوا كالأصحاب الّذين عاشرتهم لسنين طويلة...

الأصحاب الذين يعلمون أدقّ تفاصيل حياتك...

 

ستعرفين شعور الغربة عندما يختنق الإشتياق في حنجرتك وتبكي من غير سبب...

الغربة جميلة ومريحة... لكنّها تخلو من رائحة الأحباب وضجيج العائلة... الغربة تخلو من أبيك وأمّك...

الوحدة, العائلة, الأهل, الغربة, الأصدقاء, الوطن, الإخوة, الأحباب, أرض الوطن, بيت العائلة