كتب يتاريخ . نشر في منك لنا

الحرّيّة... قناعة شخصيّة

الحرّيّة... قناعة شخصيّة

الطّيور الّتي تولد في القفص، تظنّ أنّ الطّيران... جريمة... أليخاندرو جودوروسكي

عندما كانت العبوديّة شائعة في دول العالم، قامت "هارييت توبمان" بالهروب من مستعبديها... وخطوة تلو الخطوة قامت بتأليف مجموعة سرّيّة لتحرير العبيد من العبوديّة... وبعد صراع طويل، تمكّنت من تحرير أكثر من 700 شخص من براثن الرّقّ والإستعباد... لاحقًا، عندما سألوها عن أصعب الموقف الّتي واجهتها في مسيرتها قالت: أصعب ما واجهته هو أن أقنع العبد بأنّه ليس عبدًا...

بينما كنت أقرأ عمّا قامت به هذه السّيّدة، عادت بي الذّاكرة إلى سنوات مضت كنت فيها أقوم بدراسة للجامعة، وكانت مهمّتي أن أبحث وأكتب موضوعًا عن حالات تعاني من العنف الأسري... والتقيت عدّة مرّات مع ممثّلة لإحدى الجمعيّات الّتي لا تبغي الرّبح، هدفها مساعدة النّساء الّلواتي يلجأن هاربات من تعرّضهنّ للعنف، من ضرب وسوء معاملة وإذلال... وإلى ما هنالك من أشكال الأذى الّذي ما زالت تتعرّض له نساؤنا حتّى اليوم...

في دراستي لذلك الموضوع، وجدت أنّ المتطوّعات في الجمعيّات الدّاعمة لحقوق المرأة تواجه مشاكل عدّة... وأوّل هذه المشاكل هي إقناع المرأة المعنّفة بأنّ من حقّها أن تتكلّم... من حقّها أن تدافع عن نفسها... من حقّها أن تقول "لا" للأذى الّذي تتعرّض له...

غريب ذلك الرّابط بين أمرين مختلفين بدأت بهما حديثي!؟

عبوديّة كانت... أم تعنيف... أم سوء معاملة... كلّها تصبّ في خانة واحدة... خانة الذّل والقهر... خانة استغلال الآخر... خانة الظّلم والإستعباد... خانة سلب الحقوق الشّرعيّة لكلّ إنسان... ما العمل؟!

مهما حاربنا العنف والإستعباد واغتصاب الحقوق... لا بدّ من وجود أشخاص لا يرتدعون... ولا يرفّ لهم جفن عند الإساءة إلى الآخرين... لهذا ما يمكننا فعله هو تسليط الضّوء على الفكر... على الإعتقادات الخاطئة الّتي نتشرّبها منذ طفولتنا... على التّربية في ظلّ التّقاليد والقواعد العفنة الّتي تكبّلنا... وتجعل فكرة الحرّيّة أمرًا محرّمًا...

تتّسخ ثيابنا... نغيّرها...

يعتق أثاث منزلنا... نبدّله...

نجدّد هواتفنا على مرّ الأشهر...

نبتاع لأنفسنا أحدث ما في السّوق...

فلماذا لا نزال نتمسّك باعتقادات في داخل أفكارنا؟! اعتقادات مهترئة... أكل عليها الدّهر وشرب... معتقدات تجعلنا نظنّ أنّنا في أمان داخل الشّرنقة الّتي بنتها تقاليد زمن ولّى...

لذا... كما نجدّد الأشياء الّتي نمتلكها... علينا أن نجدّد أفكارنا... نطوّرها ونحدّثها (update)... انفضي عنك الفكرة بأنّك لست أهلًا بأن تتّخذي قرارات حياتك... انزعي ثوب القيود... ثوب الأقفال الّتي تمنعك من التّحليق في سماء منحها الله للجميع... اخرجي من دوّامة الأمان (safety zone) الّتي تقبعين فيها... لأنّها لن توصلك إلى مكان...

حرّيّتك ملكك أنت... لا تدعي الآخرين يقنعونك بأنّها جريمة... لا تسمحي لزمن مضى بأن يحبسك في قفص أكل الصّدأ قضبانه... حرّيّتك هي قرار ينبع من داخلك... حرّيتك هي قناعة شخصيّة في فكرك...

الإستغلال, الحرية, التطور, العبودية, تحرير العبيد, التقليد, الحرية قرار, الحرية قناعة, الظلم والإستعباد